مسألتا وفصل القتل الخطأ معناه وحكمه .
مسألة : قال : والخطأ على ضربين أحدهما أن يرمي الصيد أو يفعل ما يجوز له فعله فيؤول إلى إتلاف حر مسلما كان أو كافرا فتكون الدية على عاقلته وعليه عتق رقبة مؤمنة .
وجملته أن الخطأ أن يفعل فعلا لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله مثل أن يرمي صيدا أو هدفا فيصيب إنسانا فيقتله قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئا فيصيب غيره لا اعلمهم يختلفون فيه هذا قول عمر بن عبد العزيز و قتادةو و النخعي و الزهري و ابن شبرمة و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي فهذا الضرب من الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل بغير خلاف نعلمه والأصل في وجوب الدية والكفارة قول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا له عهد لقول الله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } ولا قصاص في شيء من هذا لأن الله تعالى أوجب به الدية ولم يذكر قصاصا وقال النبي A : [ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] ولأنه لم يوجب القاص في عمد الخطأ ففي الخطأ أولى .
فصل : وإن قصد فعلا محرما فقتل آدميا مثل أن يقصد بهيمة أو آدميا معصوما فيصيب غيره فيقتله فهو خطأ أيضا لأنه لم يقصد قتله وهذا مذهب الشافعي وكذلك قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئا فيصيب غيره ويتخرج على قول أبي بكر أن هذا عمد لقوله فيمن رمى نصرانيا فلم يقع به السهم حتى أسلم أنه عمد يجب به القصاص لكونه قصد فعلا محرما قتل به إنسانا .
مسألة : قال : والضرب الثاني أن يقتل في بلاد الروم من عنده أنه كافر ويكون قد أسلم وكتم إسلامه إلى أن يقدر على التخلص إلى أرض الإسلام فيكون عليه في ماله عتق رقبة مؤمنة بلا دية لقول الله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } .
هذا الضرب الثاني من الخطأ وهو أن يقتل في أرض الحرب من يظنه كافرا ويكون مسلما ولا خلاف في أن هذا خطأ لا يوجب قصاصا لأنه لم يقصد قتل مسلم فأشبه ما لو ظنه صيدا فبان آدميا إلا أن هذا لا تجب به دية أيضا ولا يجب إلا الكفارة وروي هذا عن ابن عباس وبه قال عطاء و مجاهد و عكرمة و قتادة و الأوزاعي و الثوري و أبو ثور و ابو حنيفة وعن أحمد رواية أخرى تجب به الدية والكفارة وهو قول مالك و الشافعي لقول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وقال عليه السلام : [ ألا أن في قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل ] ولأنه قتل مسلما خطأ فوجبت ديته كما لو كان في دار الإسلام .
ولنا قول الله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } ولم يذكر دية وتركه ذكرها في القسم مع ذكرها في الذي قبله وبعده ظاهر في أنها غير واجبة وذكره لهذا قسما مفردا يدل على انه لم يدخل في عموم الآية التي احتجوا بها ويخص بها عموم الخبر الذي رووه