مسائل وفصول معاملة المماليك .
فصل : ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق وهو ما يشق عليه ويقرب من العجز عنه لحديث أبي ذر ولأن ذلك يضر به ويؤذيه وهو ممنوع من الإضرار به .
فصل : ولا يجبر المملوك على المخارجة ومعناه أن يضرب عليه خراجا معلوما يؤديه وما فضل للعبد لأن ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابة وإن طلب العبد ذلك وأباه لم يجبر عليه أيضا فإن اتفقا على ذلك جاز [ لما روي أن أبا ظبية حجم النبي A فأعطاه أجره وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه ] وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجا فروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم وجاء أبو لؤلؤة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه ثم ينتظر فإن كان ذا كسب يجعل عليه بقدر ما يفضل من كسبه عن نفقته وخراجه شيء جاز فإن لهما به نفعا فإن العبد يحرص على الكسب وربما فضل معه شيء يزيده في نفقته ويتسع به وإن وضع عليه أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز وكذلك إن كلف من لا كسب له المخارجة لم يجز لما روي عن عثمان Bه أنه قال : [ لا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى تكلفوه الكسب سرق ولا تكلفوا المرأة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها ولأنه متى كلف غير ذي الكسب خراجا كلفه ما يغلبه وقد قال النبي A : لا تكلفوهم ما يغلبهم ] وربما حمله ذلك عل أن يأتي به من غير وجهه فلم يكن للسيد أخذه .
فصل : وإذا مرض المملوك أو زمن أو عمي أن انقطع كسبه فعلى سيده القيام به والإنفاق عليه لأن نفقة تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغير والملك باق مع العمى والزمانة فتجب نفقته مع عموم النصوص المذكورة في أول الباب .
مسألة : قال : وإن يزوج المملوك إذا احتاج إلى ذلك .
وجملة ذلك أنه يجب على السيد إعفاف مملوكه إذا طلب ذلك وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك : لا يجبر عليه لأن فيه ضررا عليه وليس مما تقوم به البنية فلم يجبر علهي كإطعام الحلواء .
ولنا قوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } والأمر يقتضي الوجوب ولا يجب إلا عند الطلب وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال : من كانت له جارية فلم يزوجها ولم يصبها أو عبد فلم يزوجه فما صنعا من شيء كان على السيد ولولا وجوب إعفافهما لما لحق السيد الإثم بفعلهما ولأنه مكلف محجور عليه دعي إلى تزويجه فلزمته إجابته كالمحجور عليه للسفه ولأن النكاح مما تدعو إليه الحاجة غالبا ويتضرر بفواته فأجبر عليه كالنفقة بخلاف الحلواء إذا ثبت هذا فالسيد مخير بين تزويجه أو تمليكه أمة يتسراها وله أن يزوجه عند طلبه لأن هذا مما يختلف الناس فيه وفي الحاجة إليه ولا تعلم حاجته إلا بطلبه ولا يجوز تزويجه إلا باختياره فإن اجبار العبد الكبير على النكاح غير جائز فأما الأمة فالسيد مخير بين تزويجها إذا طلبت ذلك وبين أن يستمتع بها فيغنيها باستمتاعه عن غيره لأن المقصود قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة وذلك يحصل بأحدهما فلم يتعين أحدهما .
فصل : وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلا لأن إذنه في النكاح إذن في الاستمتاع المعتاد والعادة جارية بذلك ليلا وعليه نفقة زوجته على ما قدمنا .
مسألة : قال : فإن امتنع أجبر على بيعه إذا طلب المملوك ذلك .
وجملته أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لأن بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد خلاته إضرار به وإزالة الضرر واجبة فوجبت إزالته ولذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الإنفاق عليها .
وقد روي في بعض الحديث عن النبي A أنه قال : [ عبدك يقول أطعمني وإلا فبعني وامرأتك تقول أطعمني أو طلقني ] وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفى بحقوق عبده فطلب العبد بيعه لم يجبر السيد عليه وقد نص عله أحمد قال أبو داود : قيل لأبي عبد الله C : استباعت المملوكة وهو يكسوها مما يلبس ويطعمها مما يأكل ؟ قال : لا تباع وإن أكثرت من ذلك إلا أن تحتاج إلى زوج فتقول زوجني وقال عطاء و إسحاق في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع : لا يبعه لأن الملك للسيد والحق له فلا يجبر على إزالته من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الإنفاق عليها .
مسألة : قال : وليس عليه نفقة مكاتبه إلا أن يعجز .
لا خلاف في أن المكاتب لا تلزم سيده نفقته لأن المكاتبة عقد أوجب ملك المكاتب إكساب نفسه ومنافعه ومنع السيد من التصرف فيهما فلا يملك استخدامه ولا إجارته ولا إعارته ولا أخذ كسبه ولا أرش الجناية عليه ولا يلزمه أداء أرش جنايته فسقطت نفقته عنه كما لو باعه أو أعتقه فإذا عجز عاد رقيقا قنا وعاد إليه ملك نفعه وإكسابه فعادت عليه نفقته كما لو اشتراه بعد بيعه