مسائل وفصول أحكام نفقة المعتق والأمة المزوجة ونفقة الولد من الأمة ونفقة ولد المكاتبة والمكاتب .
مسألة : قال : وعلى المعتق نفقة معتقه إذا كان فقيرا لأنه وارثه .
هذا مبني على الأصل الذي تقدم وإن النفقة تجب على الوارث والمعتق وارث عتيقه فتجب عليه نفقته إذا كان فقيرا ولمولاه يسار ينفق عليه منه وقال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي : لا تجب عليه نفقة بناء على أصولهم التي ذكرناها .
ولنا قول الله تعالى : { وعلى الوارث مثل ذلك } وقال النبي A : [ أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك ومولاك الذي يلي ذاك حقا واجبا ورحما موصولا ] ولأنه يرثه بالتعصيب فكانت عليه نفقته كالأب ويشترط في وجوب الإنفاق عليه لشروط المذكورة في غيره .
فصل : فإن مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته على ما بين في باب الولاء ويجب على السيد نفقة أولاد عتيقه إذا كان له عليهم ولاء لأنه عصبتهم ووارثهم وعليه نفقة أولاد معتقه إذا كان أبوهم عبدا كذلك فإن أعتق أبوهم فانجز الولاء إلى معتقه صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه إذا كملت الشروط وليس على المعتق نفقة معتقه إذا كان فقيرا لأنه لا يرثه فإن كان كل واحد منهما مولى صاحبه مثل أن يعتق الحربي عبدا ثم يسبي العبد سيده فيتعقه فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر لأنه يرثه .
مسألة : قال : وإذا زوجت الأمة لزم زوجها أو سيده إن كان مملوكا نفقتها .
وجملته أن زوج الأمة لا يخلو إما أن يكون حرا أو عبدا أو بعضه حر وبعضه عبد فإن كان حرا فنفقتها عليه للنص واتفاق أهل العلم على وجوب نفقه الزوجات على أزواجهن البالغين والأمة داخلة في عمومهن ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجب على زوجها نفقتها كالحرة وإن كان زوجها مملوكا فالنفقة واجبة لزوجته لذلك وقال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على العبد نفقة زوجته هذا قول الشعبي و الحكم و الشافعي وبه قال أصحاب الرأي إذا بوأها بيتا وحكي عن مالك أنه قال : ليس عليه نفقتها لأن النفقة مواساة وليس هو من أهلها ولذلك لا تجب عليه نفقة أقاربه ولا زكاة ماله .
ولنا أنها عوض واجب في النكاح فوجبت على العبد كالمهر والدليل على أنها عوض انها تجب في مقابلة التمكين ولهذا تسقط عن الحر بفوات التمكين وفارق نفقة الأقارب إذا ثبت وجوبها على العبد فإنها تلزم سيده لأن السيد أذن له في النكاح المفضي إلى إيجابها وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى أنها تجب في كسب العبد وهو قول أصحاب الشافعي لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ولا رقبته ولا ذمة سيده ولا إسقاطها فلم يبق إلا أن تتعلق بكسبه وقال القاضي : تتعلق برقبته لأن الوطء في النكاح بمنزلة الجناية وأرش جناية العبد يتعلق برقبته يباع فيها أو يفديه سيده وهذا قول أصحاب الرأي .
ولنا أنه دين أذن السيد فيه فلزم ذمته كالذي استدانه وكيله وقولهم إنه في مقابلة الوطء غير صحيح فإنه يجب من غير وطء ويجب للرتقاء والحائض والنفساء وزوجة المجبوب والصغير وإنما يجب بالتمكين وليس ذلك بجناية ولا قائم مقامها وقول من قال : إنه تعذر إيجابه في ذمة السيد غير صحيح فإنه لا مانع من إيجابه وقد ذكرنا وجود مقتضيه فلا معنى لدعوى التعذر .
مسألة : قال : وإن كانت أمة تأوي بالليل عند الزوج وبالنهار عند المولى أنفق كل واحد منهما مدة مقامها عنده .
هذه المسألة قد تقدمت وذكرنا أن النفقة في مقابلة التمكين وقد وجد منها في الليل فتجب على الزوج النفقة فيه والباقي منها على السيد بحكم أنها مملوكته لم تجب لها نفقة على غيره في هذا الزمن فيكون على هذا على كل واحد منهما نصف النفقة وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر : لا نفقة لها على الزوج لأنها لم تمكن من نفسها في جميع الزمان فلم يجب لها شيء من النفقة كالحرة إذا بذلت نفسها في أحد الزمانين دون الآخر .
ولنا أنه وجد التمكين الواجب بعقد النكاح فاستحقت النفقة كالحرة إذا مكنت من نفسها في غير أوقات الصلوات المفروضات والصوم الواجب والحج المفروض وفارق الحرة إذا امتنعت في أحد الزمانين فإنها لم تبذل الواجب فتكون ناشزا وهذه ليست ناشزا ولا عاصية .
مسألة : قال : فإن كان لها ولد لم تلزمه نفقة ولده حرا كان أو عبدا ونفقتهم على سيدهم .
يعني الأمة ليس على زوجها نفقة ولده منها وإن كان حرا لأن ولد الأمة عبد لسيدها فإن الولد يتبع أمه في الرق والحرية فتكون نفقتهم على سيدهم دون أبيهم فإن العبد أخص بسيده من أبيه ولذلك لا ولاية بينه وبين أبيه ولا ميراث ولا إنفاق وكل ذلك للسيد وقد رويت عن أبي عبد الله C رواية أخرى أن ولد العربي يكون حرا وعلى أبيه فداؤه فعلى هذا تكون نفقتهم عليه ولو أعتق الولد سيده أو علق عتقه بولادته أو تزوج الأمة على أنه حرة فولده منها أحرار وعلى أبيهم نفقتهم في هذه المواضع كلها إذا كان حرا وتحققت فيه شرائط الإنفاق .
فصل : وإذا طلق الأمة طلاقا رجعيا فلها النفقة في العدة لأنها زوجة وإن أبانها وهي حائل فلا نفقة لها لأنها لو كانت حرة لم يكن لها نفقة فالأمة أولى وإن كانت حاملا فلها النفقة لقوله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } نص على هذا أحمد وبه قال إسحاق وقد روي عن أبي عبد الله C في نفقة الحامل روايتان : هل هي للحمل أو للحامل بسببه ؟ احداهما : هي للحمل فعلى هذا لا تجب للمملوكة الحامل البائن نفقة لأن الحمل مملوك لسيدها فنفقته عليه ولـ لشافعي في هذا قولان كالروايتين .
فصل : وإن طلق العبد زوجته الحالم طلاقا بائنا على وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل أو للحامل ؟ فإن قلنا : هي للحمل فلا نفقة على العبد وبه قال مالك وروي ذلك عن الشعبي لأنه لا تجب عليه نفقة ولده وإن قلنا هي للحامل بسببه وجبت لها النفقة وهذا قول الأوزاعي لأن الله تعالى قال : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ولأنها حامل فوجبت لها النفقة كما لو كان زوجها حرا .
فصل : والمعتق بعضه عليه من نفقة امرأته بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده أو في ضريبته أو في رقبته على ما ذكرنا في العبد والقدر الذي يجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله إن كان موسرا فنفقة الموسرين وإن كان معسرا فنفقة المعسرين والباقي تجب فيه نفقة المعسرين لأن النفقة مما يتبعض وما يتبعض بعضناه في حق المعتق بعضه كالميراث والديات وما لا يتبعض فهو فيه كالعبد لأن الحرية إما شرط فيه أو سبب له فلم يكمل وهذا اختيار المزني وقال الشافعي : حكمه حكم القن في الجميع إلحاقا لأحد الحكمين بالآخر .
ولنا أنه يملك بنصفه الحر ملكا تاما ولهذا يورث عنه ويكفر بالإطعام ويجب فيه نصف دية الحر فوجب أن تتبعض نفقته لأنها من جملة الأحكام القابلة للتبعيض فأما نفقة أقاربه فيلزمه منها بقدر ميراثه لأن النفقة تنبني على الميراث وعند المزني تلزمه كلها لأنها لا تتبعض وعند الشافعي لا يلزمه شيء لأن حكمه حكم العبيد وقد سبق الكلام في هذا .
مسألة : قال : وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو أمة .
أما إذا كانت زوجة العبد حرة فولدها أحرار لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية وليس على العبد نفقة أقاربه الأحرار لأن نفقتهم تجب على سبيل المواساة وليس هذا من أهلها وأما إذا كانت زوجته مملوكة فولدها عبيد لسيدها لأنهم يتبعونها فتكون نفقتهم على سيدهم .
فصل : وحكم المكاتب في نفقة الزوجات والأولاد والأقارب حكم العبد القن لأنه عبد ما بقي عليه درهم إلا أنه إذا كانت له زوجة أنفق عليها من كسبه لأن نفقة الزوجة واجبة بحكم المعاوضة مع اليسار والإعسار ولذلك وجبت على العبد فعلى المكاتب أولى ولأن نفقة المرأة لا تسقط عن أحد من الناس إذا لم يوجد منها ما يسقط نفقتها ولا يمكن إيجابها على سيده لأن نفقة المكاتب لا تجب على سيده فنفقة امرأته أولى فأما نفقة أولاده وأقاربه والأحرار فلا تجب عليه لأنه تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها ولذلك لا تجب عليه الزكاة في ماله ولا الفطرة في بدنه فإن كانت زوجته حرة فنفقة أولادها عليها لأنهم يتبعونها في الحرية وإن كان لهم أقارب أحرار كجد حر وأخ حر مع الأم أنفق كل واحد منهم بحسب ميراثه والمكاتب كأنه معدوم بالنسبة إلى النفقة .
مسألة : قال : وعلى المكاتبة نفقة ولدها دون أبيه المكاتب .
وجملته أن المكاتب إذا كان له ولد لم يخل إما أن يكون من زوجته أو من أمته فإن كان من زوجة وكانت مكاتبة فولدها يتبعونها في الكتاب ويكونون موقوفين على كتابتها إن رقت رقوا وإن عتقت بالأداء عتقوا فتكون نفقتهم عليها مما في يدها لأنهم في حكم نفسها ونفقتها مما في يديها فكذلك على ولدها وأما زوجها المكاتب فليس عليه نفقتهم لأنهم عبيد لسيد المكاتبة وإن كانت زوجته حرة أو أمة فقد بينا حكمهم وإن أراد المكاتب التبرع بالإنفاق على لده وكان من أمة أو مكاتبة لغير سيده أو حرة لم يكن له ذلك لأن فيه تغريرا بمال سيده وإن كان من أمة لسيده جاز لأنه مملوك لسيده فهو ينفق عليه من المال الذي تعلق به جق سيده وإن كان من مكاتبة لسيده احتمل الجواز لأنه في الحال بمنزلة أمه وأمه مملوكة لسيدها ويحتمل أن لا يجوز لأن فيه تغريرا إذ لا يحتمل أن يعجز هو وتؤدي المكاتبة فيعتق ولدها فيحصل الإنفاق عليها من مال سيده ويصير حرا .
مسألة : قال : وعلى المكاتب نفقة ولده من أمته .
أما ولد المكاتب من أمته فنفقتهم عليه لأن ولده من أمته تابع له يرق برقه ويعتق بعتقه فجرى مجرى نفسه في النفقة فكما أن المكاتب ينفق على نفسه فكذلك على ولده الذي هذا حاله ولأن هذا الولد ليس له من ينفق عليه سوى أبيه فإن أمة أمة للمكاتب وليس له من الأحرار أقارب فيتعين على المكاتب الإنفاق عليه كأمه ولأنه لا ضرر على السيد في إنفاق المكاتب على ولده من أمته لأنه إن أدى وعتق فقد وفى مال الكتابة وليس للسيد أكثر منها وإن عجز ورق عاد إليه المكاتب وولده الذي أنفق عليه فكأنه إنما أنفق على عبده وتصير نفقته عليه كنفقته على سائر رقيقه .
فصل : وليس للمكاتب أن يتسرى بأمته إلا بإذن سيده لأن ملكه غير تام وعلى السيد ضرر في تسريه بها لما فيه من التغرير بها وإن أذن له سيده في ذلك جاز لأن المنع لحقه فجاز بإذنه كما لو أذن لعبده القن وإن وطىء بغير إذنه فلا حد عليه لأنه وطىء مملوكته فإن أولدها في الموضعين صارت أم ولد له ليس له بيعها ولا بيع ولده فإ عتق عتق ولدها وصارت الأمة أم ولده تعتق بموته وإن رق رقت هي وولدها وصارت أمة لسيده والمكاتب وولده عبدان له ويلزم المكاتب الإنفاق على عبيده وإمائه وأمهات أولاده لأنهم ملك له فلزمه الإنفاق عليه كبهائمه