فصول : حكم المسح على العمامة .
فصل : ويجوز المسح على العمامة قال ابن المنذر : وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر وأنس وأبو امامة وروي عن سعيد بن مالك وأبي الدرداء Bهم وبه قال عمر بن عبد العزيز و الحسن و قتادة و مكحول و الأوزاعي و أبو ثور و ابن المنذر وقال عروة و النخعي و الشعبي و القاسم و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي : لا يمسح عليها لقول الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمين ولنا ما [ روى المغيرة بن شعبة قال : توضأ رسول الله A ومسح على الخفين والعمامة ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وفي مسلم [ أن النبي A مسح على الخفين والخمار ] قال أحمد : هو من خمسه وجوه عن النبي A روى الخلال باسناده عن عمر Bه أنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ولأنه حائل في محل ورد الشرع بمسحه فجاز المسح عليه كالخفين ولأن الرأس عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين والآية لا تنفي ما ذكرناه فان النبي A مبين لكلام الله مفسر له و [ قد مسح النبي A على العمامة وأمر بالمسح عليها ] وهذا يدل على أن المراد بالآية المسح على الرأس أو حائله ومما يبين ذلك أن المسح في الغالب لا يصيب الرأس وإنما يمسح على الشعر وهو سائل بين اليد وبينه فكذلك العمامة فانه يقال لمن لمس عمامته أو قبلها قبل رأسه ولمسه وكذلك أمر بمسح الرجلين واتفقنا على جواز مسح حائلهما .
فصل : ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس فانه يعفى عنه بخلاف الخرق اليسير في الخف فانه لا يعفى عنه لأن هذا الكشف جرت العادة به لمشقة التحرز عنه فان كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها فالظاهر جواز المسح عليهما لأنهما صارا كالعمامة الواحدة ومن شروط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين بأن يكون تحت الحنك منها شيء لأن هذا عمائم العرب وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها فيجوز المسح عليها سواء كانت لها ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وان لم يكن تحت الحنك منها شيء ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها وقد [ روي عن النبي A أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط ] رواه أبو عبيد قال : والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء وروي أن عمر Bه رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحكه بكور منها وقال : ما هذه الفاسقية ؟ فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعها وان كانت ذات ذؤابة ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان أحدهما جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها .
فصل : وإذا كان بعض الرأس مكشوفا مما جرت العادة بكشفه استحب أن يمسح عليه مع العمامة نص عليه أحمد لأن النبي A مسح على عمامته وناصيته في حديث المغيرة بن شعبة وهو حديث صحيح قاله الترمذي وهل الجمع بينهما واجب ؟ وقد توقف أحمد عنه فيخرج فيها وجهان .
أحدهما وجوبه للخبر ولأن العمامة نابت عما استتر فبقي الباقي على مقتضى الأصل كالجبيرة والثاني لا يجب لأن العمامة نابت عن الرأس فتعلق الحكم بها وانتقل الفرض إليها فلم يبق لما ظهر حكم ولأن وجوبهما معا يفضي إلى الجمع بين بدل ومبدل في عضو واحد فلم يجز من غير ضرورة كالخف وعلى هذا تخرج الجبيرة ولا خلاف في أن الاذنين لا يجب مسحهما لأنه لم ينقل ذلك وليسا من الرأس إلا على وجه التبع .
فصل : وأن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد وكذلك أن انكشف رأسه إلا أن يكون يسيرا مثل أن حك رأسه أو رفعها لأجل الوضوء فلا بأس قال أحمد : إذا زالت العمامة عن هامته لا بأس ما لم ينقضها أو يفحش ذلك وذلك لأن هذا مما جرت العادة به فيشق التحرز عنه وإن انتقضت العمامة بعد مسحها بطلت طهارته لأن ذلك بمنزلة نزعها وأن انتقض بعضها ففيه روايتان ذكرهما ابن عقيل إحداهما لا تبطل طهارته لأنه زال بعض الممسوح عليه مع بقاء العضو مستورا فلم تبطل الطهارة ككشط الخف مع بقاء البطانة والثانة تبطل قال القاضي : لو انتقض منها كور واحد بطلت لأنه زال الممسوح عليه فأشبه نزع الخف .
فصل : واختلف في وجوب استيعاب العمامة بالمسح فروي عن أحمد أنه قال : يمسح على العمامة كما يمسح على رأسه فيحتمل أنه أراد التشبيه في صفة المسح دون الاستيعاب وأنه يجزئ مسح بعضها لأنه ممسوح على وجه الرخصة فأجزأ مسح بعضه كالخف ويحتمل أنه أراد التشبيه في الاستيعاب فيخرج فيها من الخلاف ما في وجوب استيعاب الرأس وفيه روايتان أظهرهما وجوب استيعابه بالمسح فكذلك في العمامة لأن مسح العمامة بدل من الجنس فيقدر بقدر المبدل كقراءة غير الفاتحة من القرآن بدلا من الفاتحة يجب أن يكون بقدرها ولو كان البدل تسبيحا لم يتقدر بقدرها ومسح الخف بدل من غير الجنس لأنه بدل عن الغسل فلم يتقدر به كالتسبيح بدلا من القرآن وقال القاضي : يجزئ مسح بعضها كإجزاء المسح في الخف على بعضه ويختص ذلك بأكوارها وهي دوائرها دون وسطها وحده فأن مسح وسطها ففيه وجهان أحدهما يجزئه كما يجزئ مسح بعض دوائرها والثاني لا يجزئه كما لو مسح أسفل الخف .
فصل : والتوقيت في مسح العمامة كالتوقيت في مسح الخف لما [ روى أبو أمامة أن النبي A قال : يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر يوم وليلة للمقيم ] رواه الخلال باسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولأنه ممسوح على وجه الرخصة فنوقت بذلك كالخف .
فصل : والعمامة المحرمة كعمامة الحرير والمغصوبة لا يجوز المسح عليها لما ذكرنا في الخف المغصوب وإن لبست المرأة عمامة لم يجز المسح عليها لما ذكرنا من التشبه بالرجال فكانت محرمة في حقها وإن كان لها عذر فهذا يندر فلم يرتبط الحكم به .
فصل : ولا يجوز المسح على القلنسوة ( الطاقية ) نص عليه أحمد قال هرون الحمال : سئل أبو عبد الله عن المسح على الكلتة فلم يره وذلك لأنها لا تستر جميع الرأس في العادة ولا يدور عليه وأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والمنوميات فقال إسحاق بن إبراهيم قال أحمد : لا يمسح على القلنسوة وقال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا قال بالمسح على القلنسوة إلا أن أنسا مسح على قلنسوته وذلك لأنها لا مشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكلتة ولأنها أدنى من العمامة غير المحنكة التي ليست لها ذؤابة وقال أبو بكر الخلال إن مسح إنسان على القلنسوة لم أر به بأسا لأن أحمد قال في رواية الميموني : أنا أتوقاه وإن ذهب إليه ذاهب لم يعنفه قال الخلال : وكيف يعنفه وقد روى عن رجلين من أصحاب رسول الله A بأسانيد صحاح ورجال ثقاة فروى الأثرم باسناده عن عمر أنه قال : إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته وروى باسناده عن أبي موسى أنه خرج من الخلاء فمسح على القلنسوة ولأنه ملبوس معتاد يستر الرأس فأشبه العمامة المحنكة وفارق العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها لأنها منهي عنها