فصول ما تشمله نفقة الزوجة .
فصل : ولا يجب فيها الحب وقال الشافعي : الواجب فيها الحب اعتبارا بالإطعام في الكفارة حتى لو دفع إليها دقيقا أو سويقا أو خبزا لم يلزمها قبوله كما لا يلزم ذلك المسكين في الكفارة قال بعضهم : يجيء على قول أصحابنا أنه لا يجوز وإن تراضيا لأنه بيع حنطة بجنسها متفاضلا .
ولنا قول ابن عباس في قولع تعالى : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قال الخبز والزيت وعن ابن عمر الخبز والسمن والخبز والزيت والخبز والتمر ومن أفضل ما تطعمونهن الخبز واللحم ففسر إطعام الأهل بالخبز مع غيره من الأدم ولأن الشرع ورد بالإنفاق مطلقا من غير تقييد ولا تقدير فوجب أن يرد إلى العرف كما في القبض والإحراز وأهل العرف إنما يتعارفون فيما بينهم في الإنفاق على أهليهم الخبز والأدم دون الحب والنبي A وصحابته إنما كانون ينفقون ذلك دون ما ذكروه فكان ذلك هو الوجوب ولأنها نفقة قدرها الشرع بالكفاية فكان الواجب الخبز كنفقة العبد ولأن الحب تحتاج فيه إلى طحنة وخبزه فمتى احتاجت إلى تكلف ذلك من مالها لم تحصل الكفاية بنفقته وفارق الإطعام في الكفارة لأنها لا تتقدر بالكفاية ولا يجب فيها الأدم فعلى هذا لو طلبت مكان الخبز دارهم أو حبا أو دقيقا أو غير ذلك لم يلزمه بذله ولو عرض عليها بدل الواجب لها لم يلزمها قبوله لأنها معاوضة فلا يجبر واحد منهما على قبوله كالبيع وإن تراضيا على ذلك جاز لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه كالطعام في القرض ويفارق الطعام في الكفارة لأنه حق الله تعالى وليس هو لآدمي معين فيرضى بالعوص عنه وإن أعطاها مكان الخبز حبا أو دقيقيا جاز إذا تراضيا عليه لأن هذا ليس بمعاوصة حقيقة فإن الشارع لم يعتبر الوابج بأكثر من الكفاية فبأي شيء حصلت الكفاية كان ذلك هو الواجب وإنما صرنا إلى إيجاب الخبز عند الاختلاف لترحجه بكونه القوت المعتاد .
فصل : ويرجع في تقدير الواجب إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه إن لم يتراضيا على شيء فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالهما وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه لكل أحد على حسب حاله على ما جرت به العادة في حق أمثاله وكذلك الأدم للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع الأدم من اللحم والأرز واللبن وما يطبخ به اللحم والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه السمن في موضع والزيت في آخر والشيرج في آخر وللمعسرة تحت المعسر من الأدم أدونه كالباقلاء والخل والبقل والكامخ وما جرت به عادة أمثالهم وما يحتاج إليه من الدهن وللمتوسطة تحت المتوسط أوسط ذلك من الخبز والأدم كل على حسب عادته قال الشافعي : الواجب من جنس قوت البلد لا يختلف باليسار والإعسار سوى المقدار والأدم هو الدهن خاصة لأنه أصلح للأبدان وأجود في المؤنة لأنه لا يحتاج إلى طبخ وكلفة ويعتبر الأدم بغالب عادة أهل البلد كالزيت بالشام والشيرج بالعراق والسمن بخراسان ويعتبر قدر الأدم بالقوت فإذا قيل إن الرطل تكفيه الأوقية من الدهن فرض ذلك وفي كل يوم جمعة رطل لحم فإن كان في موضع يرخص اللحم زادها على الرطل شيئا وذكر القاضي في الأدم مثل هذا وهذا مخالف لقول الله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } ولقول النبي A : [ ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ] ومتى أنفق الموسر نفقة المعسر فما أنفق من سعته ولا رزقها بالمعروف وقد فرق الله D بين الموسر والمعسر في الإنفاق وفي هذا جمع بين ما فرق الله تعالى وتقدير الأدم بما ذكروه تحكم لا دليل عليه وخلاف العادة والعرف بين الناس في إنفاقهم فلا يعرج على مثل هذا وقد قال ابن عمر : من أفضل ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم والصحيح ما ذكرناه من رد النفقة المطلقة في الشرع إلى العرف فيما بين الناس في نفقاتهم في حق الموسر والمتوسط كما رددناهم في الكسوة إلى ذلك ولأن النفقة من مؤنة المرأة على الزوج فاختلف جنسها بالإيسار والإعسار كالكسوة .
فصل : وحكم المكاتب والعبد حكم المعسر لأنهما ليس باحسن حالا منه ومن نصفه حر إن كان موسرا فحكمه حكم المتوسط لأنه متوسط نصفه موسر ونصفه معسر .
فصل : ويجب للمرأة ما تحتاج إليه من المشط والدهن لرأسها والسدر أو نحوه مما تغسل به رأسها وما يعود بنظافتها لأن ذلك يراد للتنظيف فكان عليه كما أن على المستأجر كنس الدار وتنظيفها فأما الخضاب فإنه إن لم يطلبه الزوج منها لم يلزمه لأنه يراد للزينة وإن طلبه منها فهو عليه وأما الطيب فما يراد منه لقطع السهوكة كدواء العرق لزمه لأنه يراد للتطيب وما يراد منه للتلذذ والاستمتاع لم يلزمه لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه ما يدعوه إليه ولا يجب عليه شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنه يراد إصلاح الجسم فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها وكذلك أجرة الحجام والفاصد .
فصل : وتجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من النصوص ولأنها لابد منها الدوام فلزمته كالنفقة وهي معتبرة بكفايتها وليست مقدرة بالشرع كما قلنا في النفقة ووافق أصحاب الشافعي على هذا ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها على قدر كفايتها على قدر يسرهما وعسرهما وما جرت عادة أمثالهما به من الكسوة فيجتهد الحاكم في ذلك عند نزول الأمر كنحو اجتهاده في المتعة للمطلقة وكما قلنا في النفقة فيفرض للموسرة تحت الموسر من أرفع ثياب البلد من الكتان والخبز والإبريسم وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان وللمتوسطة تحت المتوسط من ذلك فأقل ما يجب من ذلك قميص وسراويل ومقنعة ومداس وجبة للشتاء ويزيد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غني عنه دون ما للتجمل والزينة والأصل في هذا قول الله D : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقول النبي A : [ ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ] والكسوة بالمعروف هي الكسوة التي جرت عادة أمثالها بلبسه [ وقول النبي A لهند : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ] .
فصل : وعليه لها ما تحتاج إليه للنوم من الفراش واللحاف والوسادة كل على حسب عادته فإن كانت ممن عادته النوم في الأكسية والبساط فعليه لها لنومها ما جرت عادتهم به ولجلوسها بالنهار البساط والزلى والحصير الرفيع أو الخشن الموسر على حسب إيساره والمعسر على قدر إعساره على حسب العوائد .
فصل : ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى قال الله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما لقول الله تعالى : { من وجدكم } ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة .
فصل : فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها لكونها من ذوي الأقدار أو مريضة وجب لها خادم لقوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } ومن العشرة أن يقيم لها خادما ولأنه مما تحتاج إليه في الدوام فأشبه النفقة ولا يجب لها أكثر من خادم واحد لأن المستحق خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بواحد وهذا قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي إلا أن مالكا قال : إن كان لا يصلح المرأة إلا أكثر من خادم فعليه أن ينفق على أكثر من واحد ونحوه قال أبو ثور إذا احتمل الزوج ذلك فرض لخادمين .
ولنا أن الخادم الواحد يكفيها لنفسها والزيادة تراد لحفظ ملكها أو للتجمل وليس عليه ذلك إذا ثبت هذا فلا يكون لخادم إلا ممن يحل له النظر إليها إما امرأة وإما ذو رحم محرم لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النظر وهل يجوز أن يكون من أهل الكتاب ؟ فيه وجهان : الصحيح منهما جوازه لأن استخدامهم مباح وقد ذكرنا فيما مضى أن الصحيح إباحة النظر لهم : والثاني : لا يجوز لأن في إباحة نظرهم اختلافا وتعافهم النفس ولا يتنظفون من النجاسة ولا يلزم الزوج أن يملكها خادما لأن المقصود الخدمة فإذا حصلت من غير تمليك جاز كما أنه إذا أسكنها دارا بأجرة جاز ولا يلزمه تمليكها مسكنا فإن ملكها الخادم فقد زاد خيرا وإن أخدمها من يلازم خدمتها من غير تمليك جاز سواء كان له أو استأجره حرا كان أو عبدا وإن كان الخادم لها فرضيت بخدمته لها ونفقته على الزوج جاز وإن طلبت منه أجرة خادمها فوافقها جاز وإن قال لا أعطيك أجر هذا ولكن أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتاها بمن يصلح وإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ أجبر الخادم لم يلزم الزوج قبول ذلك لأن الأجر عليه فتعيين الخادم إليه ولأن في إخدامها توفيرها على حقوقه وترفيهها ورفع قدرها وذلك يفوت بخدمتها لنفسها وإن قال الزوج : أنا أخدمك بنفسي لم يلزمها لأنها تحتشمه وفيه غضاضة عليها لكون زوجها خادما وفيه وجه آخر أنه يلزمها الرضا به لأن الكفاية تحصل به .
فصل : وعلى الزوج نفقة الخادم ومؤنته من الكسوة والنفقة مثل ما لامرأة المعسر إلا أنه لا يجب لها المشط والدهن لرأسها والسدر لأن ذلك يراد للزينة والتنظيف ولا يراد ذلك من الخادم لكن إن احتاجت إلى خف لتخرج إلى شراء الحوائج لزمه ذلك