فصل ومسألة بيان من ينتشر إليه التحريم بسبب الرضاع .
فصل : ولو حلبت المرأة لبنها في إناء ثم ماتت فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرما وبه قال أبو ثور و الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم وذلك لأنه لبن امرأة في حياتها فأشبه ما لو شربه وهي في الحياة .
مسألة : قال : وإذا حلبت ممن يلحق نسب ولدها به فثاب لها لبن فأرضعت به طفلا خمس رضعات متفرقات في حولين حرمت عليه وبناتها من أبي هذا الحمل ومن غيره وبنات أبي هذا الحمل منها ومن غيرها وإن أرضعت صبية فقد صارت ابنة لها ولزوجها لأن اللبن من الحمل الذي هو منه .
وجملة ذلك أن المرأة إذا حملت من رجل وثاب لها لبن فأرضعت به طفلا رضاعا محرمأ صار الطفل المرتضع ابنا للمرضعة بغير خلاف وصار أيضا ابنا لمن ينسب الحمل إليه فصار في التحريم وإباحة الخلوة ابنا لهما وأولاده من البنين والبنات أولاد أولادهما وإن نزلت درجتهم وجميع أولاد المرضعة من زوجها ومن غيره وجميع أولاد الرجل الذي انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها إخوة المرتضع وأخواته وأولاد أولادها أولاد إخوته وأخواته وإن نزلت درجتهم وأم المرضعة جدته وأبوها جده وإخوتها أخواله وأخواتها خالاته وأبو الرجل جده وأمه جدته وإخوته أعمامه وأخواته عماته وجميع أقاربهما ينتسبون إلى المرتضع كما ينتسبون إلى ولدهما من النسب لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة فنشر التحريم إليهما ونشر الحرمة إلى الرجل وإلى أقاربه وهو الذي يسمى لبن الفحل وفي التحريم به اختلاف ذكرناه في باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه والحجة القاطعة فيه ما [ روت عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما أنزل الحجاب فقلت : والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله A فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله A فقلت يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته قال : ائذني له فإنه عمك تربت يمينك ] قال عروة : فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول : [ حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب ] متفق عليه .
وسئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما هل يتزوج الغلام بالجارية ؟ فقال لا اللقاح واحد قال مالك : اختلف قديما في الرضاعة من قبل الأب ونزل برجال من أهل المدينة في أزواجهم منهم محمد بن المنكدر وابن أبي حبيبة فاستفتوا في ذلك فاختلفت عليهم ففارقوا زوجاتهم فأما المرتضع فإن الحرمة تنتشر إليه وإلى أولاده وإن نزلوا ولا تتنشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته ولا إلى أعلى منه كأبيه وأمه وأعمامه وأخواله وخالاته وأجداده وجداته فلا يحرم على المرضعة نكاح أبي الطفل المرتضع ولا أخيه ولا عمه ولا خاله ولا يحرم على زوجها نكاح أم الطفل المرتضع ولا أخته ولا عمته ولا خالته ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها إخوة الطفل المرتضع وأخواته قال أحمد : لا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخته من الرضاع ليس بينهما رضاع ولا نسب وإنما الرضاع بين الجارية وأخته .
إذا ثبت هذا فإن شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين وهذا قول أكثر أهل العلم روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأزواج النبي A سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي و ابن شبرمة و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو يوسف ومحمد و أبو ثور ورواية عن مالك وروي عنه إن زاد شهرا جاز وروي شهران .
وقال أبو حنيفة : يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا لقوله سبحانه : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } ولم يرد بالحمل حمل الأحشاء لأنه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال وقال زفر مدة الرضاع ثلاث سنين وكانت عائشة ترى رضاعة الكبيرة تحرم ويروى هذا عن عطاء و الليث و داود لما روي أن سهلة بنت سهيل قالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلا وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه ؟ فقال لها النبي A : أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها فبذلك كانت عائشة تأخذ تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات وأبت ذلك أم سلمة وسائر أزواج النبي A أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة : والله ما ندري لعلها رخصة من النبي A لسالم دون الناس رواه النسائي و أبو داود وغيرهما .
ولنا قول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فجعل تمام الرضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم لها بعدهما [ وعن عائشة أن رسول الله A دخل عليها وعندها رجل فتغير وجه النبي A فقالت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة فقال رسول الله A : انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة ] متفق عليه [ وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله A : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ] أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وعند هذا يتعين حمل خبر أبي حذيفة على أنه خاص له دون الناس كما قال سائر أزواج النبي A وقول أبي حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب وقول الصحابة فقد روينا عن علي وابن عباس أن المراد بالحمل حمل البطن وبه استدل على أنه أقل مدة الحمل ستة أشهر وقد دل على هذا قول الله تعالى : { وفصاله في عامين } فلو حمل على ما قاله أبو حنيفة لكان مخالفا لهذه الآية إذا ثبت هذا فالاعتبار بالعامين لا بالفطام فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيهما لحصل التحريم ولو لم يفطم حتى تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم وقال ابن القاسم صاحب مالك : لو ارتضع بعد الفطام في الحولين لم تحرم عليه لقوله عليه السلام : وكان قبل الفطام .
ولنا قول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } وروي عنه عليه السلام : [ لا رضاع إلا ما كان في الحولين ] والفطام معتبر بمدته لا بنفسه قال أبو الخطاب : لو ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم .
وقال القاضي : لو شرع في الخامسة فحال الحول قبل كمالها لم يثبت التحريم ولا يصح هذا لأن ما وجد من الرضعة في الحولين كاف في التحريم بدليل ما لو انفصل مما بعده فلا ينبغي أن يسقط حكم بإيصال ما لا أثر له به واشترط الخرقي نشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذي ثاب اللبن بوطئه أن يكون لبن حمل ينتسب إلى الواطىء إما لكون الوطء في نكاح أو ملك يمين أو شبهة فأما لبن الزاني أو النافي للولد باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما في مفهوم كلام الخرقي وهو قول أبي عبد الله بن حامد ومذهب الشافعي وقال أبو بكر عبد العزيز : تنتشر الحرمة بينهما لأنه معنى ينشر الحرمة فاستوى في ذلك مباحة ومحظورة كالوطء يحققه أن الواطىء حصل منه لبن وولد ثم أن الولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطىء كذلك اللبن ولأنه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فنشرها إلى الوطء كصورة الإجماع ووجه القول الأول أن التحريم بينهما فرع لحرمة الأبوة فلما لم تثبت حرمة الأبوة لم يثبت ما هو فرع لها ويفارق تحريم ابنته من الزنا لأنها من نطفته حقيقة بخلاف مسألتنا ويفارق تحريم المصاهرة فإن التحريم ثم لا يقف على ثبوت النسب ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها من غير نسب وتحريم الرضاع مبني على النسب ولهذا قال عليه السلام : [ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ] فأما المرضعة فإن الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها عند الجميع وكذلك يحرم جميع أولادها وأقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع كما في الرضاع باللبن المباح وإن كان المرتضع جارية حرمت على الملاعن بغير خلاف أيضا لأنها ربيبته فإنها بنت امرأته من الرضاع وتحرم على الزاني عند من يرى تحريم المصاهرة وكذلك يحرم بناتها وبنات المرتضع من الغلمان لذلك .
فصل : وإذا وطىء رجلان امرأة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ابنا لمن ثبت الولد منه سواء ثبت نسبه منه بالقافة أو بغيرها وإن ألحقته القافة بهما صار المرتضع ابنا لهما فالمرتضع في كل موضع تبع للمناسب فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله وإن انتفى المناسب عن أحدهما فالمرتضع مثله لأنه بلبنه ارتضع وحرمته فرع على حرمته وإن لم يثبت نسبه منهما لتعذر القافة أو لاشتباهه عليهم ونحو ذلك حرم عليهما تغليبا للخطر لأنه يحتمل أن يكون منهما ويحتمل أن يكون أحدهما فيحرم عليه أقاربه دون أقارب الآخر وقد اختلطت أخته بغيرها فحرم الجميع كما لو علم أخته بعينها ثم اختلطت بأجنبيات وإن انتفى عنهما جميعا بأن تأتي يه لدون شتة أشهر من وطئهما أو لأكثر من أربع سنين أو لدون ستة أشهر من وطء أحدهما أو لأكثر من أربع سنين من وطء الآخر انتفى المرتضع عنهما أيضا فإن كان المرتضع جارية حرمت عليهما تحريم المصاهرة ويحرم أولادهما عليها أيضا لأنها ابنة موطوءتهما فهي ربيته لهما