مسألتان وفصول التحريم باللبن ولو عمل جبنا ولبن الميتة كلبن الحية .
فصل : وإن عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبي ثبت به التحريم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يحرم به لزوال الإسم وكذلك على الرواية التي تقول لا يثبت التحريم بالوجور لا يثبت ههنا بطريق الأولى ولنا أنه واصل من الحلق يحصل به إنبات اللحم وإنشاز العظم فحصل به التحريم كما لو شربه .
فصل : فأما الحقنة فقال أبو الخطاب : المنصوص عن أحمد أنها لا تحرم وهو مذهب أبي حنيفة و مالك وقال ابن حامد وابن أبي موسى : تحرم وهذا مذهب الشافعي لأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فتعلق به التحريم كالرضاع .
ولنا أن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة كما لو قطر في إحليله ولأنه ليس برضاع ولا في معناه فلم يجز إثبات حكمه فيه ويفارق فطر الصائم فإنه لا يعتبر فيه إثبات فيه إنبات اللحم ولا إنشاز العظم وهذا لا يحرم فيه إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم ولأنه وصل اللبن إلى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح .
مسألة : قال : واللبن المشوب كالمحض .
المشوب المختلط بغيره والمحض الخالص الذي لا يخالطه سواه وسوى الخرقي بينهما سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو بكر : قياس قول أحمد أنه لا يحرم لأنه وجور وحكي عن ابن حامد قال : إن كان الغالب اللبن حرم وإلا فلا وهو قول أبي ثور و ألمزني لأن الحكم للأغلب ولأنه يزول بذلك الإسم والمعنى المراد به ونحو هذا قول أصحاب الراي وزادوا فقالوا : إن كانت النار قد مست اللبن حتى أنضجت الطعام أو حتى تغير فليس برضاع ووجه الأول أن اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه ويحصل منه إنبات اللحم وإنشاز العظم فحرم كما لو كان غالبا وهذا فيما إذا كانت صفات اللبن باقية فأما إن صب في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت به التحريم لأن هذا ليس بلبن مشوب ولا يحصل به التغذي ولا إنبات اللحم ولا إنشاز العظم وحكي عن القاضي أن التحريم يثبت به وهو قول الشافعي لأن أجزاء اللبن حصلت في بطنه فأشبه ما لو كان لونه ظاهرا .
ولنا أن هذا ليس برضاع ولا في معناه فوجب أن لا يثبت حكمه فيه .
فصل : وإن حلب من نسوة وسقيه الصبي فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعا محرما فكذلك إذا شيب بلبن آخر .
مسألة : قال : ويحرم لبن الميتة كما يحرم لبن الحية لأن اللبن لا يموت .
المنصوص عن أحمد في رواية إبراهيم الحربي أنه ينشر الحرمة وهو اختيار أبي بكر وهو قول أبي ثور و الأوزاعي وا بن القاسم وأصحاب الرأي و ابن المنذر وقال الخلال : لا ينشر الحرمة وتوقف عنه أحمد في رواية مهنا وهو مذهب الشافعي لأنه لبن ممن ليس بمحل للولادة فلم يتعلق به التحريم كلبن الرجل .
ولنا أنه وجد الارتضاع على وجه ينبت اللحم وينشز العظم من امرأة فأثبت التحريم كما لو كانت حية ولأنه لا فارق بين شربه في حياتها وموتها إلا الحياة والموت أو النجاسة وهذا لا أثر له فإن اللبن لا يموت والنجاسة لا تمنع كما لو حلب في وعاء نجس ولأنه لو حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها لنشر الحرمة وبقاؤه في ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الإناء في عدم الحياة وهي لا تزيد على عظم الميتة في ثبوت النجاسة