مسائل وفصول أحكام عدة أم الولد إذا مات سيدها وحكم ما لو كانت آيسة أو رفع حيضها أو حامل .
مسألة : قال : وأم الولد إذا مات سيدها فلا تنكح حتى تحيض حيضة كاملة .
هذا المشهور عن أحمد وهو قول ابن عمر وروي ذلك عن عثمان وعائشة و الحسن و الشعبي و القاسم بن محمد وأبي قلابة و مكحول و مالك و الشافعي و أبي عبيد و أبي ثور وروي عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وهو قول سعيد بن المسيب وأبي عياض و ابن سيرين و سعيد بن جبير و مجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن عبد العزيز و الزهري ويزيد بن عبد الملك و الأوزاعي و إسحاق لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال : لا تفسدوا علينا سنة نبينا A عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر رواه أبو داود ولأنها حرة تعتد للوفاة فكانت عدتها أربعة أشهر وعشرا كالزوجة الحرة وحكى أبو الخطاب رواية ثالثة تعتد شهرين وخمسة أيام ولم أجد هذه الرواية عن أحمد في الجامع ولا أظنها صحيحة عن أحمد وروي ذلك عن عطاء و طاوس و قتادة ولأنها حين الموت أمة فكانت عدتها عدة الأمة كما لو مات رجل عن زوجته الأمة فعتقت بعد موته ويروى عن علي وابن مسعود و عطاء و النخعي و الثوري وأصحاب الرأي أن عدتها ثلاث حيض لأنها حرة تستبرىء فكان استبراؤها بثلاث حيض كالحرة المطلقة .
ولنا أنه استبراء لزوال الملك عن الراقبة فكان حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات ولأنه استبراء لغير الزوجات والموطوءات بشبهة فأشبه ما ذكرنا قال القاسم بن محمد : سبحان الله يقول الله تعالى في كتابه : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } ما هن بأزواج فأما حديث عمرو بن العاص فضعيف قال ابن المنذر : ضعف أحمد و أبو عبيد حديث عمرو بن العاص .
وقال محمد بن موسى : سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو بن العاص فقال : لا يصح وقال الميموني : رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا ثم قال : أين سنة النبي A في هذا ؟ وقال أربعة أشهر وعشر إنما هي عدة الحرة من النكاح وإنما هذه أمة خرجت من الرق إلى الحرية ويلزم من قال بهذا أن يورثها وليس لقول من قال : تعتد بثلاث حيض وجه وإنما تعتد بذلك المطلقة وليست هذه مطلقة ولا في معنى المطلقة وأما قياسهم إياها على الزوجات فلا يصح فإن هذه ليست زوجة ولا في حكم الزوجة ولا مطلقة ولا في حكم المطلقة .
فصل : ولا يكفي في الاستبراء طهر واحد ولا بعض حيضة وهذا قول أكثر أهل العلم وقل بعض أصحاب مالك : متى طعنت في الحيضة فقد تم استبراءها وزعم أنه مذهب مالك وقال الشافعي في أحد قوليه : يكفي طهر واحد إذا كان كاملا وهو أن يموت في حيضها فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية حلت وتم استبراؤها وهكذا الخلاف في الاستبراء كله وبنوا هذا على أن القروء الأطهار وهذا يرده [ قول النبي A : لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ] .
و [ قال رويفع بن ثابت سمعت رسول الله A يقول يوم خيبر : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة ] رواه الأثرم وهذا صريح فلا يعول على ما خالفه ولأن الواجب استبراء والذي يدل على البراءة هو الحيض فإن الحامل لا تحيض فأما الطهر فلا دلالة فيه على البراءة فلا يجوز أن يعول في الاستبراء على ما لا دلالة عليه دون ما يدل عليه وبناؤهم قولهم هذا على قولهم : إن القروء الأطهار بناء للخلاف على الخلاف ليس ذلك بحجة ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذلك حتى خالفوه فجعلوا الطهر الذي طلقها فيه قرءا ولم يجعلوا الطهر الذي مات فيه سيد أم الولد قرءا وخالفوا الحديث والمعنى فإن قالوا : إن بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة قلنا فيكون الاعتماد حينئذ على بعض الحيضة وليس ذلك قرءا عند أحد فإذا تقرر هذا فإن مات عنها وهي طاهر فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة حلت وإن كانت حائضا لم تعتد ببقية تلك الحيضة ولكن متى طهرت من الحيضة الثانية حلت لأن استبراء هذه بحيضة فلا بد من حيضة كاملة .
مسألة : قال : وإن كانت مؤيسة فبثلاثة أشهر .
وهذا المشهور عن أحمد أيضا وهو قول الحسن و ابن سيرين و النخعي و أبي قلابة وأحد قولي الشافعي وسأل عمر بن عبد العزيز أهل المدينة والقوابل فقالوا : لا تستبرأ الحبلى في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه قولهم وعن أحمد رواية أخرى أنها تستبرىء بشهر وهو قول ثان لـ لشافعي لأن الشهر قائم مقام القرء في حق الحرة والأمة المطلقة فكذلك في الاستبراء .
وذكر القاضي رواية ثالثة أنها تستبر بشهرين كعدة الأمة المطلقة ولم أر لذلك وجها ولو كان استبراؤها بشهرين لكان استبراء ذات القرء بقرأين ولم نعلم به قائلا وقال سعيد بن المسيب و عطاء و الضحاك و الحكم في الأمة التي لا تحيض : تستبرأ بشهر ونصف رواه حنبل عن أحمد فإنه قال : قال عطاء : إن كانت لا تحيض فخمس وأربعون ليلة قال علي كذلك أذهب لأن عدة الأمة المطلقة الآيسة كذلك والمشهور عن أحمد الأول .
قال أحمد بن القاسم قلت لأبي عبد الله : كيف جعلت ثلاثة أشهر مكان حيضة وإنما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهرا ؟ فقال : إنما قلنا بثلاثة أشهر من أجل الحمل فإنه لا يتبين في أقل من ذلك فإن عمر بن عبد العزيز سأل عن ذلك وجمع أهل العلم والقوابل فأخبروه أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه ذلك ثم قال : ألا تسمع قول ابن مسعود إن النطفة أربعين يوما ثم علقة أربعين يوما ثم مضغة بعد ذلك .
قال أبو عبد الله : فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة وهي لحم فتبين حينئذ وقال لي : هذا معروف عند النساء فأما شهر فلا معنى فيه ولا نعلم به قائلا ووجه استبرائه بشهر أن الله تعالى جعل الشهر مكان الحيضة ولذلك اختلفت الشهور باختلاف الحيضات فكانت عدة الحرة الآيسة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء وعدة الأمة شهرين مكان قرأين وللأمة المستبرأة التي ارتفع حيضها عشرة أشهر تسعة للحمل وشهر مكان الحيضة فجب أن يكون مكان الحيضة ههنا شهر كما في حق من ارتفع حيضها فإن قيل فقد وجدتم ما دل على البراءة وهو تربص تسعة أشهر قلنا : وههنا ما يدل على البراءة وهو الإياس فاستويا .
مسألة : قال : وإن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل وشهر مكان الحيضة .
وفي هذه المسألة أيضا روايتان إحداهما : أنها تستبرأ بعشرة أشهر والثانية : بسنة تسعة أشهر للحمل لأنها غالب مدته وثلاثة أشهر مكان الثلاثة التي تستبرأ بها الآيسات وقد ذكرنا الروايتان في الآيسة وذكرنا أن المختار عن أحمد استبراؤها بثلاثة أشهر وههنا جعل مكان الحيضة شهرا لأن اعتبار تكراها في الآيسة لتعلم براءتها من الحمل وقد علم براءتها منه ههنا بمضي غالب مدته فجعل الشهر مكان الحيضة على وفق القياس .
فصل : وإن علمت ما رفع الحيض لم تزل في الاستبراء حتى يعود الحيض فتستبرىء نفسها بحيضة إلا أن تصير آيسة فتستبرىء نفسها استبراء الآيسات وإن ارتابت بنفسها فهي كالحرة المستريبة وقد ذكرنا حكمها فيما مضى من هذا الباب والله تعالى أعلم .
مسألة : قال : وإن كانت حاملا فحتى تضع .
وهذه بحمد الله لا خلاف فيها فإن الله تعالى قال : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وقال النبي A : [ لا توطأ حامل حتى تضع ] ولأن عدة الحرة والأمة والمتوفى عنها والمطلقة واستبراء كل أمة إذا كانت حاملا بوضع حملها وذلك لأن المقصود من العدة والاستبراء معرفة براءة الرحم من الحمل وهذا يحصل بوضعه ومتى كانت حاملا باثنين أو أكثر فلا ينقضي استبراؤها حتى تضع آخر حملها على ما ذكرناه في المعتدة .
فصل : وإذا زوج أم ولده ثم مات عتقت ولم يلزمها استبراء لأنها محرمة على المولى وليست له فراشا وإنما هي فراش للزوج فلم يلزمها الاستبارء ممن ليست له فراشا ولأنه لم يزوجها حتى استبرأها فإنه لا يحل له تزويجها قبل استبرائها فإن طلقها الزوج قبل دخوله بها فلا عدة عليها أيضا وإن طلقها بعد المسيس أو مات عنها قبل ذلك أو بعده فعليها عدة حرة كاملة لأنها قد صارت حرة في حال وجوب العدة عليها وإن مات سيدها وهي في عدة الزوج عتقت ولم يلزمها استبراء لما ذكرناه ولأنه زال فراشه عنها قبل موته فلم يلزمها استبراء من أجله كغير أم الولد إذا باعها ثم مات وتبني على عدة أمة إن كان طلاقها بائنا أو كانت متوفى عنها وإن كانت رجعية بنت على عدة حرة على ما مضى وإن بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد الدخول فقضت عدته ثم مات سيدها فعليها الاستبراء لأنها عادت إلى فراشه وقال أبو بكر : لا يلزمها استبراء إلا ن يردها السيد إلى نفسه لأن فراشه قد زال بتزويجها ولم يتجدد لها ما يردها إليه فاشبهت الأمة غير الموطوءة .
فصل : فإن مات زوجها وسيدها ولم تعلم أيهما مات أولا فعلى قول ابي بكر ليس عليها استبراء لأن فراش سيدها قد زال عنها ولم تعد إليه وعليها ان تعتد لوفاة زوجها عدة الحرئر ولأنه يحتمل أن سيدها مات أولا ثم مات زوجها وهي حرة فلزمها عدة الحرة لتخرج من العدة بيقين وعلى القول الآخر إن كان بين موتهما شهران وخمسة أيام فما دون فليس عليها استبراء لأن السيد إن كان مات أولا فقد مات وهي زوجته وإن كان مات آخرا فقد مات وهي معتدة وليس عليها استبراء في هاتين الحالتين وعليها أن تعتد بعد موت الآخر منهما عدة لحرة لما ذكرناه وإن كان بين موتهما أكثر من ذلك فعليها بعد موت الآخر منهما أطول الأجلين من أربعة أشهر وعشر واستبراء بحيضة لأنه يحتمل أن يكون السيد مات أولا فيكون عليها عدة الحرة من الوفاة ويحتمل أنه مات آخرا بعد انقضاء عدتها من الزوج وعودها إلى فراشه فلزمها الاستبراء بحيضة فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر : وعلى هذا جميع القائلين من العلماء بأن عدة الأمة من سيدها بحيضة ومن زوجها شهران وخمس ليال فإن جهل ما بين موتهما فلحكم فيه كما لو علمنا أن بينهما شهرين وخمس ليال احتياطا لإسقاط الفرض بيقين كما أخذنا بالاحتياط في الإيجاب بين عدة حرة وحيضة فيما إذا علمنا أن بينهما شهرين وخمس ليال وقول أصحاب الشافعي في هذا القول مثل قولنا وكذلك قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أنهم جعلوا مكان الحيضة ثلاث حيضات بناء على أصلهم في استبراء أم الولد .
وقال ابن المنذر : حكمها حكم الإماء وعليها شهران وخمسة أيام ولا أنقلها إلى حكم الحرائر إلا بإحاطة أن الزوج مات بعد المولى وقيل إن هذا قول أبي بكر عبد العزيز أيضا والي ذكرناه أحوط فأما الميراث فإنها لا ترث من زوجها شيئا لأن الأصل الرق والحرية مشكوك فيها فلم ترث مع الشك والفرق بين الإرث والعدة أن إيجاب العدة عليها استظهار لا ضرر فيه على غيره وإيجاب الإرث إسقاط لحق غيرها ولأن الأصل تحريم النكاح عليها فلا يزول إلا بيقين والأصل عدم الميراث لها فلا ترث إلا بيقين فإن قيل : أفليس المفقود إذا ماتت زوجته وقف ميراثه منها مع الشك في إرثه ؟ قلنا الفرق بينهما أن الأصل ههنا الرق والشك في زواله وحدوث الحال التي يرث فيها والمفقود الأصل حياته والشك في موته وخروجه عن كونه وارثا فافترقا