مسألة وفصل عدة المطلقة أو مات عنها زوجها وهي حامل .
مسألة : قال : ولو طلقها أو مات عنها وهي حامل منه لم تنقض عدتها إلا بوضع الحمل أمة كانت أو حرة .
أجمع أهل العلم في جميع الأعصار على أن المطلقة الحامل تنقضي بوضع حملها وكذلك كل مفارقة في الحياة وأجمعوا أيضا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا أجلها وضع حملها إلا ابن عباس وروي عن علي من وجه منقطع انها تعتد بأقصى الأجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي A فرد عليه النبي A قوله وقد روي عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة وكره الحسن و الشعبي أن تنكح في دمها ويحكى عن حماد و إسحاق أن عدتها لا تنقضي حتى تطهر وأبى سائر أهل العلم هذا القول وقالوا : لو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها حل هلا أن تتزوج ولكن لا يطؤها زوجها حتى تطهر من نفاسها وتغتسل وذلك لقول الله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } [ وروي عن أبي بن كعب قال : قلت لنبي A : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } للمطلقة ثلاثا أو للمتوفى عنها ؟ قال : هي المطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها ] وقال ابن مسعود : من شاء بأهلته أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } نزلت بعد التي في سورة البقرة { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } يعني أن هذه الآية هي الأخيرة فتقدم على ما خالفها من عموم الآيات المتقدمة ويخص بها عمومها .
[ وروى عبد الله بن الأرقم أن سبيعة الأسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أو السنابل بن بعكك فقال مالي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح ؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله A فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي فأمرني بالتزويج إن بدا لي ] متفق عليه قال ابن عبد البر هذا حديث صحيح قد جاء من وجوه شتى كلها ثابتة إلا ما روي عن ابن عباس وروي عن علي من وجه منقطع ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة يحققه أن العدة إنما شرعت لعرفة براءتها من الحمل ووضعه أدل الأشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي العدة ولأنه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة .
فصل : وإذا كان الحمل واحدا انقضت العدة بوضعه وانفصال جميعه وإن ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه لأنها لا تكون واضعة لحملها ما لم يخرج كله وإن كان الحمل اثنين أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر لأن الحمل هو الجميع هذا قول جماعة أهل العلم إلا أبا قلابة وعكرمة فإنهما قالا : تنقضي عدتها بوضع الأول ولا تتزوج حتى تضع الآخر .
وذكر ابن أبي شيبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال : إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها قيل له فتتزوج قال لا : قال قتادة : خصم العبد وهذا قول شاذ يخالف ظاهر الكتاب وقول أهل العلم والمعنى فإن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل فإذا علم وجود الحمل فقد تيقن وجود الموجب للعدة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها ولأنها لو انقضت عدتها بوضع الأول لأبيح لها النكاح كما لو وضعت الآخر فإن وضعت ولدا وشكت في وجود ثان لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة وتتيقن أنها لم يبق معها حمل لأن الأصل بقاؤها فلا يزول بالشك