مسائل وفصول عدة اللائي لم يحضن أو أصبحن من الآيسات .
مسألة : قال : ولو طلقها وهي من اللائي لم يحضن فلم تنقض عدتها بالشهر حتى حاضت استقبلت العدة بثلاث حيض إن كانت حرة وبحيضتين إن كانت أمة .
وجملته أن الصغيرة التي لم تحض أو البالغ التي لم تحض إذا اعتدت بالشهور فحاضت قبل انقضاء عدتها ولو بساعة لزمها استئناف العدة في قول عامة علماء الأمصار منهم سعيد بن المسيب و الحسن و مجاهد و قتادة و الشعبي و النخعي و الزهري و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أصحاب الرأي وأهل المدينة وأهل البصرة وذلك لأن الشهور بدل الحيض فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء ويلزمها أن تعتد بثلاث حيض إن قلنا القروء الحيض وإن قلنا القروء الأطهار فهل تعتد بما مضى من الطهر قبل الحيض قرءا ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : تعتد به لأنه طهر انتلقت منه إلى حيض فأشبه الطهر بين الحيضتين والثاني : لا تعتد به وهو ظاهر كلام الشافعي لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين وهذا لم يتقدمه حيض فلم يكن قرءا فأما إن انقضت عدتها بالشهور ثم حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لأنه معنى حدث بعد انقضاء العدة كالتي حاضت بعد انقضاء العدة بزمن طويل ولا يمكن منع هذا الأصل لأنه لو صح منعه لم يحصل لمن لم تحض الاعتداد بالشهور بحال .
فصل : ولو حاضت حيضة أو حيضتين ثم صارت من الآيسات استأنفت العدة بثلاثة أشهر لأن العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر إتمامها بالحيض فوجب تكميلها بالأشهر وإن ظهر بها حمل من الزوج سقط حكم ما مضى وتبين أن ما رأته من الدم لم يكن حيضا لأن الحامل لا تحيض ولو حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل لأقل من ستة أشهر منذ انقضت الحيضة الثالثة تبينا أن الدم ليس بحيض لأنها كانت حاملا مع رؤية الدم والحامل لا تحيض ولو حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل يمكن أن يكون حادثا بعد قضاء العدة بأن تأتي به لستة أشهر منذ فرغت من عدتها لم تلحق بالزوج وحكمنا بصحة الاعتداد وكان هذا الولد حادثا وإن أتت به لدون ذلك تبينا أن الدم ليس بحيض لأنه لا يجوز وجوده في مدة الحمل .
فصل : وإذا ارتابت المعتدة ومعناه أن ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة ونحوهما وشكت هل هو حمل أم لا ؟ فلا يخلو من ثلاثة أحوال : .
أحدها : أن تحدث به الريبة قبل انقضاء عدتها فإنما تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة فإن بان حملا انقضت عدتها بوضعه فإن زالت وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالقروء أو الشهور فإن زوجت قبل زوال الريبة فالنكاح باطل لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات في الظاهر ويحتمل أنه إذا تبين عدم الحمل أنه يصح النكاح لأنا تبينا أنها تزوجت بعد انقضاء عدتها .
الثاني : أن تظهر الريبة بعد انقضاء عدتها والتزويج فالنكاح صحيح لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا والحمل مع الريبة مشكوك فيه ولا يزل به ما حكم بصحته لكن لا يحل لزوجها وطؤها لأننا شككنا في صحة النكاح ولأنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ثم ننظر فإن وضعت الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لأنه نكحها وهي حامل وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به ونكاحه صحيح .
الحال الثالث : ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح ففيه وجهان أحدهما : لا يحل لها أن تتزوج وإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها تتزوج مع الشك في انقضاء العدة فلم يصح كما لو وجدت الريبة في العدة ولأننا لو صححنا النكاح لوقع موقوفا ولا يجوز كون النكاح موقوفا ولهذا لو أسلم وتخلفت امرأته في الشرك لم يجز أن يتزوج أختها لأن نكاحها يكون موقوفا على إسلام الأولى والثاني : يحل لها النكاح ويصح لأننا حكمنا بانقضاء العدة وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال حكم به بالشك الطارىء ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده ورجوع الشهود .
فصل : وإذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها خرجت بالقرعة وعليها العدة دون غيرها وتحسب عدتها من حين طلقها لا من حين القرعة وإن طلق واحدة بعينها وأنسبها ففي قول أصحابنا الحكم فيها كذلك والصحيح أنه يحرم عليه الجميع فإن مات فعلى الجميع الاعتداد باقصى الأجلين من عدة الطلاق والوفاة لأن النكاح كان ثابتا بيقين وكل واحدة منهن يجوز أن تكون هي المطلقة وأن تكون زوجة فوجب أقصى الأجلين إن كان الطلاق بائنا ليسقط الفرض بيقين كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه أن يصلي خمس صلوات لكن باتداء القرء من حين طلق وابتداء عدة الوفاة من حين الموت وهذا مذهب الشافعي وإن طلق الجميع ثلاثا بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من حين طلقهن ثلاثا وإن طلق ثلاثا وأنسبهن فهو كما لو طلق واحدة .
مسألة : قال : ولو مات عنها وهو حر أو عبد قبل الدخول أو بعده انقضت عدتها لتمام أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة ولتمام شهرين وخمسة أيام إن كانت أمة .
أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولا بها أو غير مدخول بها سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ وذلك لقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } وقال النبي A : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة شهر وعشرا ] متفق عليه .
فإن قيل ألا حملتم الآية على المدخول بها كما قلتم في قوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ؟ قلنا : إنما خصصنا هذه بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ولم يرد تخصيص عدة الوفاة ولا أمكن قياسها على المطلقة في التخصيص لوجهين أحدهما : أن النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشيء إذا انتهى تقررت أحكامه كتقرر أحكام الصيام بدخول الليل وأحكام الإجارة بانقضائها والعدة من أحكامه الثاني : أن المطلقة إذا أتت بولد يمكن الزوج تكذيبها ونفيه باللعان وهذا ممتنع في حق الميت فلا يؤمن أن تاتي بولد فيلحق الميت نسبه وما له من ينفيه فاحتطنا بإيجاب العدة عليها لحفظها من التصرف والمبيت في غير منزلها حفظا لها .
إذا ثبت هذا فإنه لا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم وحكي عن مالك أنها إذا كانت مدخولا بها وجب أربعة أشهر وعشر فيها حيضة واتباع الكتب والسنة أولى ولأنه لو اعتبر الحيض في حقها لاعتبر ثلاثة قروء كالمطلقة وهذا الخلاف يختص بذات القرء فأما الآيسة والصغيرة فلا خلاف فيها وأما الأمة المتوفى عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام في قول عامة أهل العلم منهم سعيد بن المسيب و عطاء و سليمان ابن يسار و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي وغيرهم إلا ابن سيرين فإنه قال : ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة إلا أن تكون قد مضت في ذلك سنة فإن السنة أحق ان تتبع وأخذ بظاهر النص وعمومه ولنا اتفاق الصحابة Bهم على أن عدة الأمة المطلقة على النصف من عدة الحرة فكذلك عدة الوفاة .
فصل : والعشر المعتبرة في العدة هي عشر ليال بأيامها فتجب عشرة أيام مع الليل وبهذا قال مالك و الشافعي و أبو عبيد و ابن المنذر و أصحاب الرأي وقال الأوزاعي يجب عشر ليالي وتسعة أيام لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعا قلنا العرب تغلب اسم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها كما قال الله تعالى لزكريا : { آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } يريد أيامها بدليل أنه قال في موضع آخر : { آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } يريد بلياليها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه الليالي والأيام ويقول القائل : سرنا عشرا يريد الليالي بأيامها فلم يجز نقلها عن العدة إلى الإباحة بالشك .
فصل : وإذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا بلا خلاف قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه فاعتدت للوفاة كغير المطلقة وإن مات مطلق البائن في عدتها بنت على عدة طلاق إلا أن يطلقها في مرض موته فإنها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء نص على هذا أحمد وبه قال الثوري و أبو حنيفة و محمد بن الحسن وقال مالك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر تبني على عدة الطلاق لأنه مات وليست زوجة له لأنها بائن من النكاح فلا تكون منكوحة .
ولنا أنها وارثة له فيجب عليها عدة الوفاة كالرجعية وتلزمها عدة الطلاق لما ذكروا في دليلهم وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل أو كان قبل الدخول فليس عليها عدة لموته وقال القاضي : عليهن عدة الوفاة إذا قلنا يرثنه لأنهن يرثنه بالزوجية فتجب عليهن عدة الوفاة كما لو مات بعد الدخول وقبل قضاء العدة ورواه أبو طالب عن أحمد في التي انقضت عدتها وذكر ابن موسى فيها روايتين والصحيح أنها لا عدة عليها لأن الله تعالى قال : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } وقال : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ـ وقال : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فلا يجوز تخصيص هذه النصوص بالتحكم ولأنها أجنبية تحل للأزواج ويحل للمطلق نكاح أختها وأربع سواها فلم تجب عليها عدة لموته كما لو تزوجت وتخالف التي مات في عدتها فإنها لا تحل لغيره في هذه الحال ولم تنقض عدتها ولا نسلم أنها ترثه فإنها لو ورثته لأفضى إلى أن يرث الرجل ثماني زوجات فأما إن تزوجت إحدى هؤلاء فلا عدة عليه بغير خلاف نعلمة ولا ترثه أيضا وإن كانت المطلقة البائن لا ترث كالأمة أو الحرة يطلقها العبد أو الذمية يطلقها المسلم والمختلفة أو فاعلة ما يفسخ نكاحها لم تلزمها عدة سواء مات زوجها في عدتها أو بعدها على قياس قول أصحابنا فهم عللوا نقلها إلى عدة الوفاة بإرثها وهذه ليست وارثة فأشبهت المطلقة في الصحة وأما المطلقة في الصحة إذا كانت بائنا فمات زوجها فإنها تبني على عدة الطلاق ولا تعتد للوفاة وهذا قول مالك و الشافعي و أبي عبيد و أبي ثور و ابن المنذر وقال الثوري و أبو حنيفة : عليها أطول الأجلين كما لو طلقها في مرض موته .
ولنا قوله سبحانه : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ولأنها أجنبية منه في نكاحه وميراثه والحل له ووقوع طلاقه وظهاره وتحل له أختها وأربع سواها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها وذكر القاضي في المطلقة في المرض أنها إذا كانت حاملا تعتد أطول الأجلين وليس هذا بشيء لأن وضع الحمل تنقضي به كل عدة ولا يجوز أن يجب عليها الاعتداد بغير الحمل على ما نذكره في المسألة التي تلي هذا إن شاء الله تعالى