مسائل وفصول متى تباح المعتدة للأوزاج ؟ وعدة الآياسات والأمة واللآتي لم يحضن .
مسألة : قال : فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج .
حكى أبو عبد الله بن حامد في هذه المسألة روايتين إحداهما : أنها في العدة ما لم تغتسل فيباح لزوجها ارتجاعها ولا يحل لغيره نكاحها قال أحمد : عمر وعلي وابن مسعود يقولون قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة وروى ذلك عن سعيد بن المسيب و الثوري و إسحاق وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء Bهم ؟ قال شريك : له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة قال أبو بكر : وروي عن أبي عبد الله أنها في عدتها ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها وهذا قول الثوري وبه قال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لدون أكثر الحيض فإن انقطع لأكثر انقضت العدة بانقطاعه ووجه اعتبار الغسل قول الأكثر ين من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض .
والرواية الثانية : أن العدة تنقضي بطهرها من الحيض الثالثة وانقطاع دمها اختاره أبو الخطاب وهو قول سعيد بن جبير و الأوزاعي و الشافعي في القديم لأن الله تعالى قال : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقد كملت القروء بدليل وجوب الغسل عليها ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ووقوع الطلاق بها واللعان والنفقة فكذلك فيما نحن فيه قال القاضي : إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه إباحة الرجعة وتحريمها على الأزواج فأما سائر الأحكام فإنها تنقطع بانقطاع دمها .
وإن قلنا القروء والأطهار فطلقها وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة وإن طلقها حائضا انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الرابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم ابن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان و مالك و أبي ثور و هو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عنه قول آخر لا تنقضي العدة حتى يمضي زمن الدم يوم وليلة الجواز أن يكون الدم دم فساد فلا نحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال وحكى القاضي هذا احتمالا في مذهبنا أيضا .
ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء فالزيادة عليها مخالفة للنص فلا يعول عليه ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم عنهم بإسناده ولفظ حديث زيد بن ثابت : إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها وقولهم إن الدم يكون دم فساد قلنا : قد حكم بكونه حيضا في ترك الصلاة وتحريمها على الزوج وسائر أحكام الحيض فكذلك في انقضاء العدة ثم إن كان التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال فإذا تبين أنه حيض علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم كما لو قال لها : إن حضت فانت طالق اختلف القائلون بهذا القول فمنهم من قال اليوم والليلة من العدة لأنه دم تكمل به العدة فكان منها كالذي في أثناء الأطهار ومنهم من قال ليس منها إنما يتبين به انقضاؤها ولأننا لو جعلناه منها أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء ولكننا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة ولو راجعها زوجها فيها لم تصح الرجعة وهذا أصح الوجهين .
مسألة : قال : وإن كانت أمة فإذا اغتسلت من الحيضة الثانية .
أكثر أهل العلم يقولون : عدة الأمة بالقرء قرءان منهم عمر وعلي وابن عمر و سعيد بن المسيب و عطاء و عبد الله بن عتبة والقاسم و سالم وزيد بن أسلم و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي وعن ابن سيرين : عدتها عدة الحرة إلا أن تكون قد مضت بذلك سنة وهو قول داود لقول الله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } .
ولنا قول النبي A : [ قرء الأمة حيضتان ] وقد ذكرناه وقول عمر وعلي وابن عمر ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان إجماعا وهذا يخص عموم الآية ولأنه معنى ذو عدد بني على التفاضل فلا تساوي فيه الأمة الحرة كالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفا كما كان حدها على النصف من حد الحرة إلا أن الحيض لا يتبعض فكمل حيضتين ولهذا قال عمر Bه : لو أستطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفا لفعلت : فإذا تقرر هذا فانقضاء عدتها بالغسل من الحيضة الثانية في إحدى الروايتين وفي الأخرى بانقطاع الدم من الحيضة الثانية وعلى الرواية التي تقول إن القروء الأطهار فانقضاء عدتها برؤية الدم من الحيضة الثانية .
مسألة : قال : وإن كانت من الآيسات أو ممن لم يحضن فعدتها ثلاثة أشهر .
أجمع أهل العلم على هذا لأن الله تعالى ذكره في كتابه بقوله سبحانه : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فإن كان الطلاق في أول الهلال اعتبر ثلاثة أشهر بالأهلة لقول الله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقال سبحانه : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } ولم يختلف الناس في أن الأشهر الحرم معتبرة بالأهلة وإن وقع الطلاق في اثناء الشهر اعتدت بقيته ثم اعتدت شهرين بالأهلة ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوما وهذا مذهب مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : تحتسب بقية الأول وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الأول أو ناقصا لأنه لو كان من أول الهلال كانت العدة بالأهلة فإذا كان بعض الشهر وجب قضاء ما فات منه وخرج أصحابنا وجها ثانيا أن جميع الشهور محسوبة بالعدد وهو قول ابن بنت الشافعي لأنه إذا حسب الأول بالعدد كان ابتداء الثاني من بعض الشهر فيجب أن يحسب بالعدد وكذلك الثالث .
ولنا أن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى الثلاثين ولذلك إذا غم الشهر كمل ثلاثين والأصل الهلال فإذا أمكن اعتبار الهلال اعتبروا وإذا تعذر رجعوا إلى العدد وفي هذا انفصال عما ذكرلـ أبي حنيفة وأما التخريج الذي ذكرناه فإنه لا يلزمه تمام الشهر الأول من الثاني ويجوز أن يكون تمامه من الرابع .
فصل : وتجب العدة من الساعة التي فارقها زوجها فيها فلو فارقها نصف الليل أو نصف النهار اعتدت من ذلك الوقت إلى مثله في قول أكثر أهل العلم وقال أبو عبد الله بن حامد : لا تحتسب بالساعات وإنما تحتسب بأول الليل والنهار فإذا طلقها نهارا احتسب من أول الليل الذي يليه وإن طلقها ليلا أحتسب بأول النهار الذي يليه وهذا قول مالك لأن حساب الساعات يشق فسقط اعتباره .
ولنا قول الله تعالى : { فعدتهن ثلاثة أشهر } ولا تجوز الزيادة عليها بغير دليل وحساب الساعات ممكن إما يقينا وإما إستظهارا فلا وجه للزيادة على ما أوجبه الله تعالى .
مسألة : قال : والأمة شهران .
اختلفت الروايات عن أبي عبد الله في عدة الأمة فأكثر الروايات عنه أنها شهران رواه عنه جماعة من أصحابه واحتج فيه بقول عمر Bه : عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كان عدتها شهرين رواه الأثرم عنه بإسناده وهذا قول عطاء و الزهري و إسحاق وأحد قولي الشافعي لأن الأشهر بدل من القروء وعدة ذات القروء قرءان فبدلهما شهران ولأنها معتدة بالشهور من غير الوفاة فكان عددها كعدد القروء ولو كانت ذات قرء كالحرة .
والرواية الثانية : أن عدتها شهر ونصف نقلها الميموني و الأثرم واختارها أبو بكر وهذا قول علي Bه وروي ذلك عن ابن عمر و ابن المسيب و سالم الشعبي و الثوري وأصحاب الرأي وهو قول ثان لـ لشافعي لأن عدة الأمة نصف عدة الحرة وعدة الحرة ثلاثة أشهر فنصفها شهر ونصف وإنما كملنا للذات الحيض حيضتين لتعذر تبعيض الحيضة فإذا صرنا إلى الشهور أمكن التنصيف فوجب المصير إليه كما في عدة الوفاة ويصير هذا كالمحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مد أجزأه إخراجه فإن أراد الصيام مكانه صام يوما كاملا ولأنها عدة أمكن تنصيفها فكانت على النصف من عدة الحرة كعدة الوفاة ولأنها معتدة بالشهور فكانت على النصف من عدة الحرة كالمتوفى عنها زوجها .
والرواية الثالثة : أن عدتها ثلاثة أشهر وروي ذلك عن الحسن و مجاهد و عمر بن عبد العزيز و النخعي و يحيى الأنصاري و ربيعة و مالك وهو القول الثالث لـ لشافعي لعموم قوله تعالى : { فعدتهن ثلاثة أشهر } ولأنه استبراء للأمة الآيسة بالشهور فكان ثلاثة أشهر كاستبراء الأمة إذا ملكها أو مات سيدها ولأن اعتبار الشهور ههنا للعلم ببراءة الرحم ولا يحصل هذا بدون ثلاثة أشهر في الحرة والأمة جميعا لأن الحمل نطفة أربعين يوما وعلقة أربعين يوما ثم يصير مضغة ثم يتحرك ويعلو بطن المرأة فيظهر الحمل وهذا معنى لا يختلف بالرق والحرية ولذلك كان استبراء الأمة في حق سيدها ثلاثة أشهر ومن رد هذه الرواية قال : هي مخالفة لإجماع الصحابة لأنهم اختلفوا على القولين الأولين ومتى اختلف الصحابة على قولين لم يجز إحداث قول ثالث لأنه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم ولا يجوز ذلك ولأنها معتدة لغير الحمل فكانت دون عدة الحرة كذات القرء المتوفى عنها زوجها .
فصل : واختلف عن أحمد في السن الذي تصير به المرأة من الآيسات فعنه أوله خمسون سنة لأن عائشة قالت : لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد خمسين سنة وعنه : إن كانت من نساء العجم فخمسون وإن كانت من نساء العرب فستون لأنهن أقوى طبيعة وقد ذكر الزبير بن بكار في كتاب النسب أن هندا بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة وقال : يقال إنه لمن تلد بعد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية و لـ لشافعي قولان أحدهما : يعتبر السن الذي يتيقن أنه إذا بلغته لم تحض قال بعضهم : هو اثنان وستون سنة والثاني يعتبر السن الذي ييأس فيه نساء عشيرتها لأن الظاهر أن نشأها كنشئهن وطبعها كطعبهن والصحيح إن شاء الله أنه متى بلغت المرأة خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة لأن وجود الحيض في حق هذه نادر بدليل قول عائشة وقلة وجوده فإذا انضم إلى هذا انقطاعه عن العادات مرات حصل اليأس من وجوده فلها حينئذ أن تعتد بالأشهر وإن انقطع قبل ذلك فحكمها حكم من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه على ما سنذكره إن شاء الله وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض في الصحيح لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادرا وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد ذلك قال الخرقي : فإذا رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض فعند ذلك لا تعتد به وتعتد بالأشهر كالتي لا ترى دما .
فصل : وأقل سن نحيض فيه المرأة تسع سنين لأن المرجع فيه في الوجود وقد وجد من تحيض لتسع وقد روي عن الشافعي أنه قال : رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة فهذه إذا أسقطت من عمها مدة الحملين في الغالب عاما ونصفا وقسمت الباقي بينهما وبين ابنتها كانت كل واحدة منهما قد حملت لدون عشر سنين فإن رأت دما قبل ذلك فليس بحيض لأنه لم يوجد من مثلها متكررا والمعتبر من ذلك ما تكرر ثلاث مرات في حال الصحة ولم يوجد ذلك فلا يعتد به .
فصل : فإن بلغت سنا تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض كخمس عشرة سنة فعدتها ثلاثة أشهر في ظاهر قول الخرقي وهو قول أبي بكر وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي وضعف أبو بكر الرواية المخالفة لهذا وقال : رواها أبو طالب فخالف فيها أصحابه وذلك ما روى أبو طالب عن أحمد أنها تعتد سنة قال القاضي : هذه الرواية أصح لأنه متى أتى عليها زمان الحيض فلم تحض صارت مرتابة يجوز أن يكون به حمل منع حيضها فيجب أن تعتد بسنة كالتي ارتفع حيضها بعد وجوده .
ولنا قول الله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } وهذه من اللائي لم يحضن ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها ولهذا لو حاضت قبل بلوغ سن يحيض لمثله النساء في الغالب مثل أن تحيض ولها عشر سنين اعتدت بالحيض وفارق من ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه فإنها من ذوات القروء وهذه لم تكن منهن