مسألتان وفصل التعان الرجل دون المرأة وحكم ما لو أقرت دون الأربع مرات .
مسألة : قال : فإن التعن هو ولم تلتعن هي فلا حد عليها والزوجية بحالها .
وجملة ذلك أنه إذا لاعنها وامتنعت من الملاعنة فلا حد عليها وبه قال الحسن و الأوزاعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن الحارث العكلي و عطاء الخراساني وذهب مكحول و الشعبي و مالك و الشافعي و بو عبيد و أبو ثور و أبو إسحاق الجوزجاني و ابن المنذر إلى أن عليها الحد لقول الله تعالى : { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات } والعذاب الذي يدرؤه لعانها هو الحد المذكور في قوله سبحانه : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ولأنه بلعانه حقق زناها فوجب عليها الحد كما لو شهد عليها أربعة .
ولنا أنه لم يتحقق زناها فلا يجب عليها الحد كما لو لم يلاعن ودليل ذلك أن تحقيق زناها لا يخلو إما أن يكون بلعان الزوج أو بنكولها أو بهما معا لا يجوز أن يكون بلعان الزوج وحده لأنه لو ثبت زناها به لما سمع لعانها ولا وجب الحد على قاذفها ولأنه إما يمين وإما شهادة وكلاهما لا يثبت له الحق على غيره ولا يجوز أن يثبت بنكولها لأن لحد لا يثبت بالنكول فإنه يدرأ بالشبهات فلا يثبت بها وذلك لأن النكول يحتمل أن يكون لشدة خفرها أو لعقله على لسانها أو غير ذلك فلا يجوز إثبات الحد لذي اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود واعتبر في حقهم أن يصفوا صورة الفعل وأن يصرحوا بلفظه وغير ذلك مبالغة في نفي الشبهات عنه وتوسلا إلى إسقاطه ولا يجوز أن يقضى فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضى به في شيء من الحدود ولا العقوبات ولا ما عدا الأمول مع أن الشافعي لا يرى القضاء بالنكول في شيء فكيف يقضي به في أعظم الأمور وأبعدها ثبوتا وأسرعها سقوطا ولأنها لو أقرت بلسانها ثم رجعت لم يجب عليها الحد فلأن لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على براءتها أولى ولا يجوز أن يقضى فيه بهما لأن ما لا يقضى فيه باليمين المفردة لا يقضى فيه باليمين مع النكول كسائر الحقوق ولأن ما في كل واحد منهما من الشبهة لا ينتفي بضم أحدهما إلى الآخر فإن احتمال نكولها لفرط حيائها وعجزها عن النطق باللعان في مجمع الناس لا يزول بلعان الزوج والعذاب يجوز أن يكون الحبس أو غيره فلا يتعين في الحد وإن احتمل أن يكون هو المراد فلا يثبت الحد بالاحتمال وقد يرجح ما ذكرناه بقول عمر Bه إن الحد على من زنا وقد أحصن إذا كانت بينة أو كان الحمل أو الاعتراف فذكر موجبات الحد ولم يذكر اللعان .
واختلفت الرواية فيما يصنع بها فروي أنها تحبس حتى تلتعن أو تقر أربعا قال أحمد : فإن أبت المرأة أن تلتعن بعد التعاون الرجل أجبرتها عليه وهبت أن أحكم عليها بالرجم لأنها لو أقرت بلسانها لم ارجمها إذا رجعت فكيف إذا أبت اللعان ؟ ولا يسقط النسب إلى بالتعانهما جميعا لأن الفراش قائم حتى تلتعن والولد للفراش قال القاضي : هذه الرواية أصح وهذا قول من وافقنا في أنه لا حد عليها وذلك لقول الله تعالى : { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } فيدل على أنها إذا لم تشهد لا يندرىء عنها العذاب .
والرواية الثانية : يخلى سبيلها وهو قول أبي بكر لأنه لم يجب عليها الحد فيجب تخلية سبيلها كما لو لم تكمل البينة فأما الزوجية فلا تزول والولد لا ينتفي ما لم يتم اللعان بينهما في قول عامة أهل العلم إلا الشافعي فإنه قضى بالفرقة ونفي الولد بمجرد لعان الرجل وقد ذكرنا ذلك .
مسألة : قال : وكذلك إن أقرت دون الأربع مرات .
وجملته أن الرجل إذا قذف امرأته فصدقته وأقرت بالزنا مرة أو مرتين أو ثلاثا لم يجب عليها الحد لأنه لا يثبت إلا بإقرار أربع مرات على ما يذكر في الحدود ثم إن كان تصديقها أنه قبل لعانه فلا لعان بينهما لأن اللعان كالبينة إنما يقام مع الإنكار وإن كان بعد لعانه لم تلاعن هي لأنها لا تحلف مع الإقرار وحكمها حكم ما لو امتنعت من غير إقرار وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : إن صدقته قبل لعانه فعليها الحد وليس له أن يلاعن إلا أن يكون ثم نسب ينفيه فيلاعن وحده وينتفي النسب بمجرد لعانه فإن كان بعد لعانه فقد انتفى النسب ولزمها الحد بناء على أن النسب ينتفي بمجرد لعانه وتقع الفرقة ويجب الحد فإن الحد بإقرار مرة وهذه الأصول قد مضى أكثرها ولو أقرت أربعا وجب الحد ولا لعان بينهما إذا لم يكن ثم نسب ينفي وإن رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه وبه يقول الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي فإن الرجوع عن الإقرار بالحد مقبول وليس له ان يلاعن للحد فإنه لم يجب عليه لتصديقها إياه وإن أراد لعانها لنفي نسب فظاهر قول الخرقي أنه ليس له ذلك في جميع هذه الصور وهو قول أصحاب الرأي .
وقال الشافعي : له لعانها لنفي النسب فيها كلها لأنها لو كانت عفيفة صالحة فكذبته ملك نفي ولدها فإذا كانت فاجرة فصدقته فلأن يملك نفي ولدها أولى ووجه الأول أن نفي الولد إنما يكون بلعانهما معا وقد تعذر اللعان منهما ولأنها لا تستحلف على نفي ما تقر به فتعذر نفي الولد لتعذر سببه كما لو مات بعد القذف وقبل اللعان .
فصل : ولو قال لامرأته يا زانية فقالت بك زنيت فلا حد عليها ولا عليه وقال أصحاب الشافعي : عليه حد القذف لأنه يحتمل أنها أرادت بذلك نفي الزنا عن نفسها كما يستعمل أهل العرف فيما إذا قال قائل : سرقت قال معك سرقت أي أنا لم اسرق لكونك أنت لم تسرق .
ولنا أنها صدقته في قذفه إياها فأشبه ما لو قال : صدقت ولا حد عليها لأن حد الزنا لايثبت إلا بالإقرار اربع مرات وليس عليها حد القذف لأنها لم تقذفه وإنما أقرت على نفسها بزناها به ويمكن ذلك من غير كونه زانيا بأن يظنها زوجته وهي عالمة أنه أجنبي ولأنه يحتمل أن تريد نفي ذلك عنهما كما ذكروه أو أنه يطأني سواك فإن لم يكن زنا فأنت شريكي فيه ولا يجب الحد مع الاحتمال ولا يلزم من سقوطه عن الرجل بظاهر تصديقها وجوبه عليها مع الاحتمال فإن الحد يدرأ بالشبهات ولا يجب بها ولو قال يا زانية فقالت أنت أزنى مني فقال أبو بكر فيها كالتي قبلها لا حد على الزوج بتصديقها له ولا على المرأة لما ذكرنا في التي قبلها .
وقال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي : ليس قولها قذفا قال الشافعي : إلا أن تريد القذف لأنه يحتمل أن تريد أنه أصابني وهو زوجي فإن كان ذلك فهو أبلغ مني منه وقال القاضي : عليها حد لقذفها ولا حد عليه لتصديقها إياه وقد أتت بصريح قذفه بالزنا فوجب عليها الحد كما لو قالت : أنت زان والاحتمال مع التصريح بالقذف لا يمنع الحد كما لو قالت أنت زان فأما إن قال يا زانية فقالت : بل أنت زان فكل واحد منهما قاذف لصاحبه عليه حد القذف إلا أن المرأة لا تملك إسقاط حدها إلا بالبينة والزوج يملك إسقاطه ببينة أو لعان