فصول قذف الرجل امرأته بالزنا برجل وقذف أكثر من زوجته وتكرار القذف .
فصل : وإذا قذف امرأته بالزنا برجل بعينه فقد قذفهما وإذا لاعنها سقط الحد عنه لهما سواء ذكر الرجل في لعانه أو لم يذكره وإن لم يلاعن فلكل واحد منهما المطالبة وأيهما طالب حد له ومن لم يطالب فلا يحد له كما لو قذف رجلا بالزنا بامرأة معينة وبهذا قال أبو حنيفة مالك إلا في أنه لا يسقط حده بلعانها وقال بعض أصحابنا : القذف للزوجة وحدها ولا يتعلق بغيرها حق في المطالبة ولا الحد لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك ابن سحماء فلم يحده النبي A ولا عزره له .
وقال بعض أصحاب الشافعي : يجب الحد وهل يجب حد واحد أو حدان ؟ على وجهين وقال بعضهم : لا يحد إلا حد واحد قولا واحدا ولا خلاف بينهم أنه إذا لاعن وذكر الأجنبي في لعانه أنه يسقط عنه حكمه وإن لم يذكره فعلى وجهين .
ولنا أن اللعان في احد الطرفين فكان بينة في الطرف الآخر كالشهادة ولأن به حاجة إلى قذف الزاني لما أفسد عليه من فراشه وربما يحتاج إلى ذكره ليستدل بشبه الولد للمقذوف على صدق قاذفه كما استدل النبي A على صداق هلال بشبه الولد لشريك بن سحماء فوجب أن يسقط حكم قذفه ما أسقط حكم قذفها قياسا له عليها .
فصل : ولو قذف امرأته وأجنبية أو أجنبيا بكلمتين فعليه حدان لهما فيخرج من حد الأجنبية بالبينة خاصة ومن حد الزوجة بالبينة أو اللعان وإن قذفهما بكلمة فكذلك إلا أنه إذا لم يلاعن ولم تقم بينة فهل يحد لهما واحدا أو حدين ؟ على روايتين إحداهما : يحد حدا واحدا وبه قال أبو حنيفة و الشافعي في القديم وزاد أبو حنيفة سواء كان بكلمة أو بكلمات لأنهما حدود من جنس فوجب أن تتداخل كحدود الزنا والثانية : إن طالبوا مجتمعين فحد واحد وإن طالبوا متفرقين فلكل واحد حد لأنهم إذا اجتمعوا في الطلب أمكن إيفاؤهم بالحد الواحد وإذا تفرقوا لم يمكن جعل الحد الواحد إيفاء لمن لم يطالب لأنه لا يجوز إقامة الحد له قبل المطالبة منه وقال الشافعي في الحد : يقام لكل واحد حد بكل حال لأنها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون .
ولنا أنه إذا قذفهما بكلمة واحدة يجزىء حد واحد لأنه يظهر كذبه في قذفه وبراءة عرضهما من رميه بحد واحد فأجزأ كما لو كان القذف لواحد وإذا قذفهما بكلمتين وجب حدان لأنهما قذفان لشخصين فوجب لكل واحد حد كما لو قذف الثاني بعد حد الأول وهكذا الحكم فيما إذ قذف أجنبيتين أو أجنبيات فالتفصيل فيه على ما ذكرناه وإن قذف أربع نسائه فالحكم في الحد كذلك وإن أراد اللعان فعليه أن يلاعن لكل واحدة لعانا مفردا ويبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة فإن طالبن جميعا وتشاححن بدأ بإحداهن بالقرعة وإن لم يتشاححن بدأ بلعان من شاء منهن ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة من المشاحة صح ويحتمل أن يجزئه لعان واحد فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به كل واحدة من زوجاتي هؤلاء الأربع من الزنا وتقول كل واحدة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا لأنه يحصل المقصود بذلك والأول أصح لأن اللعان أيمان فلا تتداخل لجماعة كالأيمان في الديون .
فصل : ولو قال لزوجته يا زانية بنت الزانية فقد قذفها وقذف أمها بكلمتين والحكم في الحد لهما على ما مضى في التفصيل فيه فإن اجتمعا في المطالبة ففي أيتهما يقدم ؟ فيه وجهان أحدهما : الأم لأن حقها آكد لكونه لا يسقط إلا بالبينة ولأن لها فضيلة الأمومة والثاني : تقديم البنت لأنه بدأ بقذفها ومتى حد لإحداهما ثم وجب عليه الحد للأخرى لم يحد حتى يبرأ جلده من حد الأولى فإن قيل إن الحد ههنا حق لآدمي فلم لا يتوالى بينهما كالقصاص فإنه لو قطع يدي رجلين قطعنا يديه لهما ولم نؤخره ؟ قلنا لأن حد القذف لا يتكرر بتكرر سببه قبل إقامة حده فالموالاة بين حدين فيه تخرجه عن موضوعه والقصاص يجوز أن تقطع الأطراف كلها في قصاص واحد فإذا جاز لواحد فلاثنين أولى .
فصل : وإن قذف محصنا مرات فحد واحد رواية واحدة سواء قذفه بزنا آخر أو كرر القذف بالأول لأنهما حدان ترادف سببهما فتداخلا كالزنا مرارا وإن قذفه فحد له ثم قذفه مرة أخرى بذلك الزنا فلا حد عليه لأنه قد تحقق كذبه فيه بالحد فلا حاجة إلى إظهار كذبه فيه ثانيا ولما جلد عمر ابا بكرة حين شهد على المغيرة بن شعبة أعاد قذفه فهم عمر بإعادة الحد عليه فقال له علي إن جلدته فارجم صاحبه فتركه ولكنه يعزر تعزير السب والشتم وذكر القاضي أن فيه رواية أخرى أن عليه الحد ثانيا لأنه قذف ثان بعد إقامة الحد عليه فأشبه ما لو قذفه بزنا ثان وأما إن قذفه بزنا آخر فعليه حد آخر لأنه قذف لمحصن لم يحد فيه فوجب أن يتعقبه الحد كالأول ولأن سبب الحد وجد بعد إقامته فأعيد عليه كالزنا والسرقة وعن أحمد رواية أخرى لا حد عليه في الثاني لأنه حد لصاحبه مرة فلا يعاد عليه الحد كما لو قذفه بالزنا الأول وعلى هذه الرواية يعزر تعزير السب والشتم وهذه الرواية الثانية فيما إذا تقارب القذف الثاني من الحد فأما إذا تباعد زمانهما وجب الحد بكل حال لأنه لا يجوز أن يكون حده مرة من أجله فوجب إطلاق عرضه له ومذهب الشافعي في هذا كمذهبنا إلا أنهم حكوا عن الشافعي فيما إذا أعاد القذف بزنا ثان قبل إقامة الحد قولين أحدهما : يجب حد واحد والثاني : يجب حدان فأما إن قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها فعليه الحد للقذف الأول ولا شيء عليه للثاني في قول أبي بكر و حكي نحو ذلك عن الزهري و الثوري و أصحاب الرأي لأنه لو قذف أجنبية قذفين لم يجب عليه أكثر من حد واحد واختار القاضي أنه إن قذفها بالزنا الأول لم يكن عليه أكثر من حد واحد وليس له إسقاطه إلا بالبينة وإن قذفها بزنا آخر فهو على الراويتين فيما إذا قذف الأجنبية ثم حد لها ثم قذفها بزنا آخر فإن قلنا يجب حدان فطالبت المرأة بموجب القذف الأول فاقام به بينة سقط عنه حده ولم يجب في الثاني حد لأنها غير محصنة وإن لم يقم بينة حد لها ومتى طالبته بموجب الثاني فأقام به بينة أو لاعنها سقط وإلا وجب عليه الحد أيضا لأن هذا القذف موجبه غير موجب الأول فإن لأول موجبه الحد على الخصوص والثاني موجبه للعان والحد إن بدأت بالمطالبة بموجب الثاني فأقام بينة به أو لاعن سقط حده ولها المطالبة بموجب الأول فإن أقام به بينة وإلا حد .
قال القاضي : إن أقام بالثاني بينة سقط موجب الأول وهو مذهب الشافعي لأنها صارت غير محصنة ولا يثبت لها حد المحصنات .
ولنا أن سقوط إحصانها في الثاني لا يوجب سقوطه فيما قبل ذلك كما لو استوفى حده قبل إقامة البينة ولعل هذا ينبني على ما إذا قذف رجلا فلم يقم الحد على القاذف حتى زنى المقذوف وإن لم يقم بينة عليهما ولم يلتعن للثاني لم يجب إلا حد واحد نص عليه أحمد ولأنهما حدان من جنسين ترادفا فلم يقم أحدهما فتداخلا كما لو قذفها وهي أجنبية قذفين ولو قذف زوجته فحد لها ثم أعاد قذفها بذلك الزنا لم يحد لها لما ذكرنا في إعادة قذف الأجنبي لكن يعزر للأذى والسب وليس له إسقاط التعزير باللعان لأنه تعزير سب لا تعزير قذف إلا على الرواية التي تلزم الأجنبي حدان بإعادة القذف فإن هيلزمه ههنا حد وله إسقاطه باللعان وإن ولد له ولد بعد حده فذكر أنه من ذلك الزنا فله اللعان لإسقاطه على كلتا الروايتين لأنه محتاج إلى نفيه وإن قذفها في الزوجية قذفين بزناءين فليس عليه إلا حد واحد ويكفيه لعان واحد لأنه يمين فإذا كان الحقان لواحد كفته يمين واحدة لكنه يحتاج أن يقول : اشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزناءين وفارق ما إذا قذف زوجتين حيث لا يكفيه لعان واحد لأن اليمين وجبت لكل واحد منهما فلا تتداخل كسائر الأيمان وإن أقام البينة بالأول سقط عنه موجب الثاني لأنه زال إحصانها ولا لعان إلا أن يكون فيه نسب يريد نفيه وإن أقامها بالثاني لم يسقط الحد الأول وله إسقاطه باللعان إلا على قول القاضي فإنه يسقط بإقامة البينة على الثاني وإن قذفها في الزوجية ولاعنها ثم قذفها بالزنا الأول فلا حد عليه لأنه قد حققه لعانه ويحتمل أن يحد كما لو قذفها به أجنبي وهو قول القاضي ولو قذفها به أجنبي أو بزنا غيره فعليه الحد في قول عامة أهل العلم منهم ابن عباس و الزهري و الشعبي و النخعي و قتادة و مالك و الشافعي و أبو عبيد وذكر أبو عبيد عن أصحاب الرأي أنهم قالوا : إن لم ينف بلعانها ولدا حد قاذفها وإن نفاه فلا حد على قاذفها لأنه منتف عن زوجها بالشرع .
ولنا ما روى ابن عباس عن النبي A أنه قال : [ من رماها أو ولدها فعليه الحد ] رواه أبو داود وهذا نص فإنه نص على ما رماها مع أن ولدها منفي عن الملاعن شرعا ولأنه لم يثبت زناها ولا زال إحصانها فيلزم قاذفها الحد بقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } وكما لو لم ينف ولدها فأما إن أقام بينة فقذفها قاذف بذلك الزنا أو بغيره فلا حد عليه لأنه قد زال إحصانها ولأن هذا القذف لم يدخل المعرة عليها وإنما دخلت المعرة بقيام البينة ولكنه يعزر تعزير السب والأذى وهكذا كل من قامت البينة بزناه لا حد على قاذفه وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولكنه يعزر تعزير السب والأذى ولا يملك الزوج إسقاطه عن نفسه باللعان لما قدمناه وإن قذف زوجته ولاعنها ثم قذفها بزنا آخر فعليه الحد لأنها بانت منه باللعان وصارت أجنبية إلا أن يضيف الزنا إلى حال الزوجية فعند ذلك إن كان ثم نسب يريد نفيه فله الملاعنة لنفيه وإلا لزمه الحد ولا لعان بينهما