مسألة وفصل انكار الولد الذي ولدته امرأته لا يوجب الحد .
مسألة : قال : ولو جاءت امرأته بولد فقال لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم ولا حد عليه لها .
وجملة ذلك أن المرأة إذا ولدت فقال زوجها ليس هذا الولد مني أو قال : ليس هذا ولدي فلا حد عليه لأن هذا ليس بقذف بظاهره لاحتمال أنه يريد أنه من زوج آخر أو من وطء بشبهة أو غير ذلك ولكنه يسأل فإن قال زنت فولدت هذا من الزنا فهذا قذف يثبت به اللعان وإن قال أردت أنه لا يشبهني خلقا ولا خلقا فقالت بل أردت قذفي فالقول قوله لأنه أعلم لمراده لا سيما إذا صرح بقوله : لم تزن وإن قال : وطئت بشبهة والولد من الواطىء فلا حد عليه أيضا لأنه لم يقذفها ولا قذف واطئها وإن قال : أكرهت على الزنا فلا حد أيضا لأنه لم يقذفها ولا لعان في هذه المواضع لأنه لم يقذفها ومن شرط اللعان القذف ويلحقه نسب الولد وبهذا قال أبو حنيفة .
وذكر القاضي أن في هذه الصورة الآخرة رواية أخرى أن له اللعان لأنه محتاج إلى نفي الولد بخلاف ما إذا قال : وطئت بشبهة فإنه يمكن نفي النسب بعرض الولد على القافة فيستغني بذلك عن اللعان فلا يشرع كما لا يشرع لعان أمته لما أمكن نفي نسب ولدها بدعوى الاستبراء وهذا مذهب الشافعي .
ولنا أن اللعان إنما ورد الشرع بعد القذف في قوله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية ولما لاعن النبي A بين هلال وامرأته كان بعد قذفه إياها وكذلك لما لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته كان بعد قذفه إياها ولايثبت الحكم إلا في مثله ولأن نفي اللعان إنما ينتفي به الولد بتمامه منهما ولا يتحقق اللعان من المرأة ههنا فأما ههنا فأما إن قال : وطئك فلان بشبهة وأنت تعلمين الحال فقد قذفها وله لعانها ونفي نسب ولدها وقال القاضي : ليس له نفيه باللعان وكذلك قال أصحاب الشافعي لأنه يمكنه نفي نسبه بعرضه على القافة فأشبه ما لو قال : واشتبه علي أيضا .
ولنا أنه رام لزوجته فيدخل في عموم قوله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم } ولأنه رام لزوجته بالزنا فملك لعانها ونفى ولدها كما لو قال : زنى بك فلان وما ذكروه لا يصح فإنه لا يوجد قافة وقد لا يعترف الرجل بما نسب إليه أو يغيب أو يموت فلا ينتفي الولد وإن قال ما ولدته وإنما التقطته أو استعارته فقالت بل هو ولدي منك لم يقبل قول المرأة إلا ببينة وهذا قول الشافعي و أبي ثور واصحاب الرأي لأن لولادة يمكن إقامة البينة عليها والأصل عدمها فلم تقبل دعواها من غير بينة كالدين قال القاضي : وكذلك لا تقبل دعواها للولادة فيما إذا علق طلاقها بها ولا دعوى الأمة لها لتصير بها أم ولد ويقبل قولها فيه لتقضي عدته بها فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا أن تقيم بينة وهي امرأة نرضية تشهد بولادتها له فإذا ثبتت ولادتها له لحقه نسبه لأنه ولد على فراشه والولد للفراش .
وذكر القاضي في موضع آخر أن القول قول المرأة لقول الله تعالى : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } وتحريم كتمانه دليل على قبول قولها فيه ولأنه خارج من المرأة تنقضي به عدتها فقبل قولها فيه كالحيض ولأنه حم يتعلق بالولادة فقبل قولها فيه كالحيض فعلى هذا النسب لاحق به وهل له نفيه باللعان ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : ليس له نفيه لإن إنكاره لولادتها إياه إقرار بأنها لم تلده من زنا فلا يقبل إنكاره لذلك لأنه تكذيب لنفسه والثاني : له نفيه لأنه رام لزوجته وناف لولدها فكان له نفيه باللعان كغيره .
فصل : ومن ولدت مرأته ولدا لا يمكن كونه منه في النكاح لم يلحقه نسبه ولم يحتج إلى نفيه لأنه يعلم أنه ليس منه فلم يلحقه كما لو أتت به عقيب نكاحه لها وذلك مثل أن تأتي به لدون ستة أشهر من حين تزوجها فلا يلحق به في قول كل من علمنا قوله من أهل العلم لأننا نعلم أنها علقت به قبل أن يتزوجها وإن كان الزوج طفلا له أقل من عشر سنين فأتت بولد لم يلحقه لأنه لم يوجد ولد لمثله ولا يمكنه الوطء وإن كان له عشر فحملت المرأته لحقه ولدها ل [ قول النبي A : واضربوهم على الصلاة لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] وقال القاضي : يلحق به إذا أتت به لتسعة أعوام ونصف عام مدة الحمل لأن لجارية يولد لها لتسع فكذلك الغلام وقال أبو بكر : لا يلحقه حتى يلغ لأن الولد إنما يكون من الماء ولا ينزل حتى يبلغ .
ولنا أنه زمن يمكن البلوغ فيه فيلحقه الولد كالبالغ [ وقد روي أن عمرو بن العاص وابنه عبد الله لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عاما ] وأمر النبي A بالتفريق بينهم دليل على إمكان الوطء الذي هو سبب الولادة وأما قياس الغلام على الجارية فغير صحيح فإن الجارية يمكن الاستمتاع بها لتسع عادة والغلام لا يمكنه الاستمتاع لتسع وقد تحيض لستع وما عهد بلوغ غلام لتسع ولو تزوج رجل إمرأة في مجلس ثم طلقها فيه قبل غيبته عنهم ثم أتت إمرأة بولد لستة أشهر من حين العقد أو تزوج مشرقي بمغربية ثم ستة أشهر وأتت بولد لم يلحقه وبذلك قال مالك والشافعي وقال أيو حنيفة : يلحقه نسبه لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومدة الحمل ألا ترى أنكم قلتم إذا مضى زمان الإمكان لحق الولد وإن علم أنه لم يحصل منه الوطء .
ولنا أنه لم يحصل إمكان الوطء بهذا العقد فلم يلحق به الولد كزوجة ابن سنة أو كما لو ولدته لدون ستة أشهر وفارق ما قاسوا عليه لأن الإمكان إذا وجد لم يعلم أنه ليس منه قطعا لجواز أن يكون وطئها من حيث لا يعلم ولا سبيل لنا إلى معرفة حقيقة الوطء فعلقنا الحكم على إمكانه في النكاح ولم يجز حذف الإمكان عن الاعتبار لأنه إذا انتفى حصل اليقين بانتفائه عنه فلم يجز إلحاقه به مع يقين كونه ليس منه وإن ولدت امرأة مقطوع الذكر والأنثيين لم يلحق نسبه به في قول عامة أهل العلم لأنه يستحيل منه الإنزال والإيلاج وإن قطعت أنثياه دون ذكره فكذلك لأنه لا ينزل ما يخلق منه الولد وقال أصحابنا : يلحقه النسب لأنه يتصور مته الإيلاج وينزل ماء رقيقا .
ولنا أن هذا لا يخلق منه ولد عادة ولا وجد ذلك فأشبه ما لو قطع ذكره معهما ولا اعتبار بإيلاج لا يخلق منه الولد كما لو أولج أصبعه وأما قطع ذكره وحده فإنه يلحقه الولد لأنه يمكن أن يساحق فينزل ماء يخلق منه الولد ولأصحاب الشافعي اختلاف في ذلك على نحو ما ذكرنا من الخلاف عندنا قال ابن اللبان : لا يلحقه الولد في هاتين الصورتين في قول الجمهور .
وقال بعضهم : يلحقه بالفراش وهو غلط لأن الولد إنما يلحق بالفراش إذا أمكن ألا ترى أنها إذا ولدت بعد شهر منذ تزوجها لم يلحقه وههنا لا يمكن لفقد المني من المسلول وتعذر إيصال المني إلى قرار الرحم من المجبوب ولا معنى لقول من قال : يجوز أن تستدخل المرأة مني الرجل فتحمل لأن الولد مخلوق من مني الرجل والمرأة جميعا ولذلك يأخذ الشبه منهما وإذا استدخلت المني بغير جماع لم تحدث لها لذة تمني بها فلا يختلط منهما .
ولو صح ذلك لكان الأجنبيان الرجل والمرأة إذا تصادقا أنها استدخلت منيه وإن الولد من ذلك المني يلحقه نسبه وما قال ذلك أحد