مسألة وفصول قال : وإن نفى الحمل في التعانة وحكم ما لو ولدت امرأته فسكت عن نفيه .
مسألة : قال : وإن نفى الحمل في التعانه لم ينتف عنه حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن .
اختلف أصحابنا فيما إذا لاعن امرأته وهي حامل ونفى حملها في لعانه فقال الخرقي وجماعة : ولا ينتفي الحمل بنفيه قبل الوضع ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع وينتفي الولد فيه وهذا قول أبي حنيفة وجماعة من أهل الكوفة لأن الحمل غير متسيقن يجوز أن يكون ريحا أو غيرها فيصير نفيه مشروطا بوجوده ولا يجوز تعليق اللعان بشرط وقال مالك و الشافعي وجماعة من أهل الحجاز : يصح نفي الحمل وينتفي عنه محتجين بحديث هلال وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي A وألحقه بالأول ولا خفاء بأنه كان حملا ولهذا [ قال النبي A : انظروها فإن جاءت به كذا وكذا ] قال ابن عبد البر : الآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة وأوردها ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه ولهذا ثبتت للحامل أحكام تخالف بها الحائل من النفقة والفطر في الصيام وترك إقامة الحد عليها وتأخير القصاص عنها وغير ذلك مما يطول ذكره ويصح استلحاق الحمل فكان كالولد بعد وضعه وهذا القول هو الصحيح لموافقته ظواهر الأحاديث وما خالف الحديث لا يعبأ به كائنا ما كان وقال أبو بكر : ينتفي الولد يزوال الفراش ولا يحتاج إلى ذكره في اللعان احتجاجا بظاهر الأحاديث حيث لم ينقل فيها نفي الحمل ولا التعرض لنفيه وقد ذكرنا ذلك فأما من قال إن الولد لا ينتفي إلا بنفيه بعد الوضع فإنه يحتاج في نفيه إلى إعادة اللعان بعد الوضع وقال أبو حنيفة ومن وافقه : إن لاعنها حاملا ثم أتت بالولد لزمه ولم يتمكن من نفيه لأن اللعان لا يكون إلا بين الزوجين وهذه قد بانت بلعانها في حال حملها وهذا فيه إلزامه ولدا ليس منه وسد باب الانتفاء من أولاد الزنا والله تعالى قد جعل له إلى ذلك طريقا فلا يجوز سده وإنما تعتبر الزوجية في الحال التي أضاف الزنا إليها فيه لأن الولد الذي تاتي به يلحقه إذا لم ينفه فيحتاج إلى نفيه وهذه كانت زوجة في تلك الحال فملك نفي ولدها والله أعلم .
فصل : وإن استحلق الحمل فمن قال لا يصح نفيه قال لا يصح استلحاقه وهو المنصوص عن أحمد ومن جاز نفيه قال لا يصح استلحاقه وهو مذهب الشافعي لأنه محكوم بوجوده بدليل وجوب النفقة ووقف الميراث فصح الإقرار به كالمولود وإذا استلحقه لم يملك نفيه بعد ذلك كما لو استلحقه بعد الوضع ومن قال لا يصح استلحاقه قال : لو صح استلحاقه لزمه بترك نفيه كالمولود ولا يلزمه ذلك بالإجماع ولأن للشبه أثرا في الإلحاق بدليل حديث الملاعنة وذلك مختص بما بعد الوضع فاختص صحة الاستلحاق به فعلى هذا لو استلحقه ثم نفاه بعد وضعه كان له ذلك فأما إن سكت عنه فلم ينفه ولم يستلحقه لم يلزمه عند أحد علمنا قوله لأن تركه يحتل أن يكون لأنه لا يتحقق وجوده إلا أن يلاعنها فإن أبا حنيفة ألزمه الولد على ما أسلفناه .
فصل : وإذا ولدت امرأته ولدا فسكت عن نفيه مع إمكانه لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك وبهذا قال الشافعي قال أبو بكر : لا يتقدر ذلك بثلاث بل هو على ما جرت به العادة إن كان ليلا فحتى يصبح وينتشر الناس وإن كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب أو ينام إن كان ناعسا أو يلبس ثيابه ويسرج دابته ويركب ويصلي إن حضرته الصلاة ويحرز ماله إن كان غير محرز وأشباه ذلك من أشغاله فإن أخره بعد هذا كله لم يكن له نفيه وقال أبو حنيفة له تأخير نفيه يوما ويومين استحسانا لأن النفي عقيب الولادة يشق فقدر باليومين لقلته وقال أبو يوسف و محمد : يتقدر بمدة النفاس لأنها جارية مجرى الولادة في الحكم وحكي عن عطاء و مجاهد أن له نفيه ما لم يعترف به فكان له نفيه كحالة الولادة .
ولنا أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على الفور كخيار الشفعة وقول النبي A : [ الولد للفراش ] عام خرج منه ما اتفقنا عليه مع السنة الثابتة فما عداه يبقى على عموم الحديث وما ذكره أبو حنيفة يبطل بخيار الرد بالعيب والأخذ بالشفعة وتقديره بمدة النفاس تحكم لا دليل عليه وما قاله عطاء يبطل أيضا بما ذكرناه ولا يلزم القصاص لأنه لاستيفاء حق لا لدفع ضرر ولا الحمل لأنه لم يتحقق ضرره إذا ثبت هذا فهل يتقدر الخيار في النفي بمجلس العلم أو بإمكان النفي على وجهين بناء على المطالبة بالشفعة فإن أخر نفيه عن ذلك ثم ادعى أنه لا يعلم بالولادة وأمكن صدقه بأن يكون في موضع يخفى عليه ذلك مثل أن يكون في محلة أخرى فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم العلم وإن لم يمكن مثل أن يكون معها في الدار لم يقبل لأن ذلك لا يكاد يخفى عليه وإن قال علمت ولادته ولم أعلم أن لي نفيه أو علمت ذلك ولم أعلم أنه على الفور وكان ممن يخفى عليه ذلك كعامة الناس قبل منه لأن هذا مما يخفى عليهم فأشبه ما لو كان حديث عهد بالإسلام وإن كان فقيها لم يقبل ذلك منه لأنه مما لا يخفى عليه ذلك ويحتمل أن يقبل منه لأن الفقيه يخفى عليه كثير من الأحكام وقال أصحابنا لا يقبل ذلك من الفقيه ويقبل من الناشيء ببادية وحديث العهد بالإسلام وهل يقبل من سائر العامة ؟ على وجهين وإن كان له عذر يمنعه من الحضور لنفيه المرض والحبس أو الاشتغال بحفظ مال يخاف ضيعته أو بملازمة غريم يخاف قوته أو غيبته نظرت فإن كانت مدة ذلك قصيرة فأخره إلى الحضور ليزول عذره لم يبطل نفيه بمنزلة من علم ذلك ليلا فأخره إلى الصبح وإن كانت تتطاول فأمكنه النتفيذ إلى الحاكم لبيعث إليه من يستوفي عليه اللعان والنفي فلم يفعل سقط نفيه فإن لم يمكنه أشهد على نفسه أن ناف لولد امرأته فإن لم يفعل بطل خياره لأنه إذا لم يقدر على نفيه كان الإشهاد قائما مقامه كما يقيم المريض الفيئة بقوله بدلا عن الفيئة بالجماع فإن قال : لم أصدق المخبر عنه نظرت فإن كان مستفيضا منتشرا لم يقبل قوله وإن لم يكن مستفيضا وكان المخبر مشهور العدالة لم يقبل وإلا قبل وإن قال : لم أعلم أن علي ذلك قبل قوله لأنه مما يخفى وإن علم وهو غائب فأمكنه السير فاشتغل به لم يبطل خياره وإن أقام من غير حاجة بطل لأنه أخره لغير عذر وإن كانت له حاجة تمنعه من السير فهو على ما ذكرنا من قبل وإن أخر نفيه لغير عذر وقال : أخرت نفيه رجاء أن يموت فأستر عليه وعلي بطل خياره لأنه أخر نفيه مع الإمكان لغير عذر .
فصل : فإن هنىء به فأمن على الدعاء لزمه في قولهم جميعا وإن قال : أحسن الله جزاءك أو بارك الله عليك أو رزقك الله مثله لزمه الولد وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : لا يلزمه لأنه جازاه على قصده وإذا قال رزقك الله مثله فليس ذلك إقرارا ولا متضمنا له .
ولنا أن ذلك جواب الراضي في العادة فكان إقرارا كالتأمين على الدعاء وإن سكت كان إقرارا ذكره أبو بكر لأن السكوت صلح دالا على الرضا في حق البكر وفي مواضع أخر فههنا أولى وفي ل موضع لزمه الولد لم يكن له نفيه بعد ذلك في قول جماعة أهل العلم منهم الشعبي و النخعي وعمر بن عبد العزيز و مالك و الشافعي و ابن المنذر وأصحاب الرأي وقال الحسن : له أن يلاعن لنفيه ما دامت أمه عنده يصير لها الولد ولو أقر به والذي عليه الجمهور أولى فإنه أقر به فلم يملك جحده كما لو بانت منه أمه ولأنه أقر بحق عليه فلم يقبل منه جحده كسائر الحقوق