فصول : تحريم الرجل امرأته على نفسه وجمع الظهار والطلاق معا .
الفصل الثالث : أنه إذا قال أنت علي حرام فإن نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم وبه يقول أبو حنيفة و الشافعي وإن نوى به الطلاق فقد ذكرناه في باب الطلاق وإن أطلق ففيه روايتان إحداهما : هو ظهار ذكره الخرقي في موضع آخر ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وذكره إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي انهم قالوا : الحرام ظهار وروي عن أحمد ما يدل على أن التحريم يمين وروي عن ابن عباس أنه قال إن التحريم يمين في كتاب الله D قال الله D : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } - ثم قال - { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار ليس بظهار وهو قول مالك و أبي حنيفة و الشافعي ووجه ذلك الآية المذكورة وإن التحريم يتنوع منه ما هو بظهار وبطلاق وبحيض وإحرام وصيام فلا يكون التحريم صريحا في واحد منهما ولا ينصرف إليه بغير نية كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق ووجه الأول إنه تحريم أوقعه في امرأته فكان باطلاقه ظهارا كتشبيهها بظهر أمه وقولهم ان التحريم يتنوع قلنا إلا أن تلك الأنواع منتفية ولا يحصل بقوله منها إلا الطلاق وهذا أولى منه لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية فكان أدنى التحريمين فكان أولى فأما إن قال لمحرمة عليه بحيض أو نحوه وقصد الظهار فهو ظهار وإن قصد انها محرمة عليه بذلك السبب فلا شيء فيه فإن أطلق فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها ويحتمل إنشاء التحريم فيها بالظهار فلا يتعين أحدهما بتغير تعيين .
فصل : فإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله علي حرام أو ما أنقلب إليه حرام وله امرأة فهو مظاهر نص عليه أحمد في الصور الثلاث وذلك لأن لفظه يقتضي العموم فيتناول المرأة بعمومه وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها فهو آكد قال أحمد : فيمن قال ما أحل الله علي حرام من أهل وما عليه كفارة الظهار هو يمين وتجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلام أحمد هذا واختار ابن عقيل أنه يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال لأن التحريم تناولهما وكل واحد منهما لو انفرد أوجب كفارة فكذلك إذا اجتمعا .
ولنا أنها يمين واحدة فلا توجب كفارتين كما لو تظاهر من امرأتين أو حرم من ماله شيئين وما ذكره ينتقض بهذا وفي قول أحمد هو يمين إشارة إلى التعليل بما ذكرناه لأن اليمين الواحدة لا توجب أكثر من كفارة وإن نوى بقوله ما أحل الله علي حرام وغيره من لفظات العموم لم يلزمه إلا كفارة يمين لأن اللفظ العام يجوز استعماله في الخاص وعلى الرواية الأخرى التي تقول إن الحرام بإطلاقه ليس بظهار لا يكون ههنا مظاهرا إلا أن ينوي الظهار .
فصل : وإن قال أنت علي كظهر أمي حرام فهو صريح في الظهار لا ينصرف إلى غيره سواء نوى الطلاق أو لم ينوه وليس فيه اختلاف بحمد الله لأنه صرح بالظهار وبينه بقوله حرام وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي أو كأمي فكذلك وبه قال أبو حنيفة : وهو أحد قولي الشافعي والقول الثاني : إذا نوى الطلاق فهو طلاق وهو قول أبي يوسف و محمد إلا أن أبا يوسف قال لا أقبل قوله في نفي الظهار ووجه قولهم ان قوله أنت علي حرام إذا نوى به الطلاق فهو طلاق وزيادة قوله كظهر أمي بعد ذلك لا ينفي الطلاق كما لو قال أنت طالق كظهر أمي .
ولنا أنه أتى بصريح الظهار فلم يكن طلاقا كالتي قبلها وقولهم إن التحريم مع نية الطلاق طلاق لا نسلمه وإن سلمناه لكنه فسر لفظه ههنا بصريح الظهار بقوله فكان العمل بصريح القول أولى من العمل بالنية .
فصل : وإن قال أنت طالق كظهر أمي طلقت وسقط كظهر أمي لأنه أتى بصريح الطلاق أولا وجعل قوله كظهر أمي صفة له فإن نوى بقوله كظهر أمي تأكيد الطلاق لم يكن ظهارا كما لو أطلق وإن نوى به الظهار وكان الطلاق بائنا فهو كالظهار من الأجنبية لأنه أتى بعد بينونتها بالطلاق وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه أتى بلفظ الظهار فيمن هي زوجة وإن نوى بقوله أنت طالق الظهار لم يكن ظهارا لأنه نوى الظهار بصريح الطلاق وإن قال أنت علي كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا لأن الظهار سبق الطلاق .
فصل : فإن قال أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معا كان ظهارا ولم يكن طلاقا لأن اللفظ الواحد لا يكون ظهارا وطلاقا والظهار أولى بهذا اللفظ فينصرف إليه وقال بعض أصحاب الشافعي : يقال له اختر أيهما شئت وقال بعضهم : إن قال أردت الطلاق والظهار كان طلاقا لأنه بدأ به وإن قال أردت الظهار والطلاق كان ظهارا لأنه بدأ به فيكون ذلك اختيارا له ويلزمه ما بدأ به .
ولنا أنه أتى بلفظ الحرام ينوي بها الظهار فكانت كما لو انفرد الظهار بنيته ولا يكون طلاقا لأنه زاحمت نيته نية الظهار وتعذر الجميع والظهار أولى بهذه اللفظة لأن معناهما واحد وهو التحريم فيجب أن يغلب ما هو الأولى أما الطلاق فإن معناه الإطلاق وهو حل قيد النكاح وإنما التحريم حكم له في بعض أحواله وقد ينفك عنه فإن الرجعية مطلقة بماحة وأما التخيير فلا يصح لأن هذه اللفظة قد ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلا والمحل قابلا ولهذا لو حكمنا بأنه طلاق لكانت عدتها من حين أوقع الطلاق وليس إليه رفع حكم ثبت في المحل باختياره وإبداله بإرادته والقول الآخر مبني على أن له الاختيار وهو فاسد على ما ذكرنا ثم أن الاعتبار بجميع لفظه لا بما بدأ به ولذلك لو قال طلقت هذه أو هذه لم يلزمه طلاق الأولى