فصول : حكم التشبه بظهر الأب وبالأم والألفاظ التي تحصل فيها الظهار .
في هذه المسألة فصول خمسة أحدها : أنه متى شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأييد فقال أنت علي كظهر أمي أو أختي وغيرهما فهو مظاهر وهذا على ثلاثة أضرب .
أحدها : أن يقول أنت علي كظهر أمي فهذا ظهار إجماعا قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول أنت علي كظهر أمي وفي حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك لرسول الله A فأمره بالكفارة .
الضرب الثاني : أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن و عطاء و جابر بن زيد و الشعبي و النخعي و الزهري و الثوري و الأوزاعي و مالك و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي وقال في القديم : لا يكون الظهار إلا بأم أو جدة لأنها أم أيضا لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالام مختص بالام فإذا عدل عنه لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه .
ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم فأما الآية فقد قال فيها : { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } وهذا موجود في مسألتنا فجرى مجراه وتعليق الحكم بالأم لا يمنع ثبوت الحكم في غيرها إذا كانت مثلها .
الضرب الثالث : أن يشبهها بظهر من تحرم عيه على التأبيد سوى الأقارب كالأمهات المرضعات والأخوات من الرضاعة وحلائل الآباء والأبناء وأمهات النساء والربائب اللائي دخل بأمهن فهو ظهار أيضا والخلاف فيها كالتي قبلها ووجه المذهبين ما تقدم ويزيد في الأمهات المرضعات دخولها في عموم الأمهات فتكون داخلة في النص وسائرهن في معناها فثبت فيهن حكمها .
الفصل الثاني : إذا شبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها أو الأجنبية فعن أحمد فيه روايتان .
إحداهما : انه ظهار وهو اختيار الخرقي وقول أصحاب مالك والثانية : ليس بظهار وهو مذهب الشافعي لأنها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها ظهارا كالحائض والمحرمة من نسائه ووجه الأول انه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالأم ولأن مجرد قوله أنت علي حرام ظهار إذا نوى به الظهار والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج والمحرمة يحل له النظر إليها ولمسها من غير شهوة وليس في وطء واحدة منهما حد بخلاف مسألتنا واختار أبو بكر أن الظهار لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال فبهذا أقول .
فصل : وإن شبهها بظهر أبيه أو بظهر غيره من الرجال أو قال أنت علي كظهر البهيمة أو أنت علي كالميتة والدم في ذلك كله روايتان : .
إحداهما : انه ظهار قال الميموني : قلت ل أحمد إن ظاهر من ظهر الرجل قال فظهر الرجل حرام يكون ظهارا وبهذا قال ابن القاسم : صاحب مالك فيما إذا قال أنت علي كظهر أبي وروي ذلك عن جابر بن زيد .
والرواية الثانية : ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال أنت علي كمال زيد وهل فيه كفارة ؟ على روايتين : .
إحداهما : فيه كفارة لأنه نوع تحريم فأشبه ما لو حرم ماله .
والثانية : ليس فيه شيء نقل ابن القاسم عن أحمد فيمن شبه امرأته بظهر الرجل لا يكون ظهارا ولم أره يلزمه فيه شيء وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه التشبيه بمال غيره وقال أبو الخطاب : في قوله أنت علي كالميتة والدم وإن نوى به الطلاق كان طلاقا وإن نوى الظهار كان ظهارا وإن نوى اليمين كان يمينا وإن لم ينو شيئا ففيه روايتان إحداهما : هو ظهار والأخرى : هو يمين ولم يتحقق عندي معنى إرادته الظهار واليمين والله أعلم .
فصل : فإن قال أنت عندي أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهارا بمنزلة علي لأن هذه الألفاظ في معناه وإن قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو كلك علي كظهر أمي كان ظهارا لأنه أشار إليها فهو كقوله أنت وإن قال أنت كظهر أمي كان ظهارا لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه كما لو قال أنت طالق وقال بعض الشافعية : ليس بظهار لأنه ليس فيه ما يدل على أن ذلك في حقه وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه محرم عليه .
فصل : وإن قال أنت علي كأمي أو مثل أمي ونوى به الظهار فهو ظهار في قول عامة العلماء منهم أبو حنيفة وصاحباه و الشافعي و إسحاق وإن نوى به الكرامة والتوقير أو انها مثلها في الكبر أو الصفة فليس بظهار والقول قوله في نيته وإن أطلق فقال أبو بكر : هو صريح في الظهار وهو قول مالك و محمد بن الحسن وقال ابن أبي موسى فيه روايتان أظهرهما انه ليس بظهار حتى ينويه وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلاق .
ووجه الأول انه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبها لها بظهرها فيثبت الظهار كما لو شبهها به منفردا والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف فيقول إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شيء أو الحث عليه وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ولأن كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط فيدل على أنه إنما أراد الظهار ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب ودليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ويوجب اجتنابها وهو الظهار وإن عدم هذا فليس بظهار لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل ونحو هذا قول أبي ثور وهكذا لو قال أنت علي كأمي أو مثل أمي أو قال أنت أمي أو امرأتي أمي مع الدليل الصارف له إلى الظهار كان ظهارا إما بنية أو ما يقوم مقامها وإن قال أمي امرأتي أو مثل امرأتي لم يكن ظهارا لأنه تشبيه لأنه ووصف لها وليس يوصف لامرأته