فصول : ألفاظ الإيلاء بكل لغة .
فصل : في الألفاظ التي يكون بها مؤليا وهي ثلاثة أقسام أحدها : ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا وهو ثلاثة ألفاظ قوله والله لا آتيك ولا أدخل ولا أغيب أو أولج ذكري في فرجك ولا افتضضتك للبكر خاصة فهذه صريحة ولا يدين فيها لأنها لا تحتمل غير الإيلاء .
القسم الثاني : صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهي عشرة ألفاظ لا وطئتك ولا جامعتك ولا أصبتك ولا باشرتك ولا مسستك ولا قربتك ولا أتيتك ولا باضعتك ولا باعلتك ولا اغتسلت منك فهذه صريحة في الحكم لأنها تستعمل في العرف في الوطء وقد ورد القرآن ببعضها فقال الله سبحانه : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن } وقال : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وقال تعالى : { من قبل أن تمسوهن } .
وأما الجماع والوطء فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال فلو قال أردت بالوطء الوطء بالقدم وبالجماع اجتماع الأجسام وبالإصابة الإصابة باليد دين فما بينه وبين الله تعالى ولم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر والعرف وقد اختلف قول الشافعي فيما عدا الوطء والجماع من هذه الألفاظ فقال في موضع ليس بصريح في الحكم لأنه حقيقة في غير الجماع وقال في لا باضعتك ليس بصريح لأنه يحتمل أن يكون التقاء البضعتين البضعة من البدل بالبضعة منه فإن النبي A قال : [ فاطمة بضعة مني ] .
ولنا أنه مستعمل في الوطء عرفا وقد ورد به القرآن والسنة فكان صريحا كلفظ الوطء والجماع وكونه حقيقة في غير الجماع يبطل بلفظة الوطء والجماع وكذلك قوله فارقتك وسرحتك في ألفاظ الطلاق فإنهم قالوا : هي صريحة في الطلاق مع كونها حقيقة في غيره وأما قوله باضعتك فهو مشتق من البضع ولا يستعمل هذا اللفظ في غير الوطء فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الألفاظ لأنها تستعمل في غيره وبهاذ قال أبو حنيفة .
القسم الثالث : ما لا يكون إيلاء إلا بالنية وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع كقوله والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء لا ساقف رأسي رأسك لأسوءنك لأغيظنك لتطولن غيبتي عنك لا مس جلدي جلدك لا قربت فراشك لا أويت معك لا نمت عندك فهذه إن أراد بها الجماع واعترف بذلك كان موليا وإلا فلا لأن هذه الألفاظ ليس ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها ولم يرد النص باستعمالها فيه إلا أن هذه الألفاظ منقسمة إلى ما يفتقر فيه إلى نية الجماع والمدة معا وهي قوله لأسوءنك ولأغيظنك ولتطولن غيبتي عنك فلا يكون مؤليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر لأن غيظها يكون بترك الجماع فيما دون ذلك وفي سائر هذه الألفاظ يكون مؤليا بنية الجماع فقط وإن قال والله ليطولن تركي لجماعك أو لوطئك أو لإصابتك فهذا صريح في ترك الجماع وتعتبر نية المدة دون ينة الوطء لأنه صريح فيه وإن قال والله لا جامعتك إلا جماعا ضعيفا لم يكن مؤليا إلا أن ينوي جماعا لا يبلغ التقاء الختانين وإن قال والله لا أدخلت جميع ذكري في فرجك لم يكن مؤليا لأن الوطء الذي يحصل به الفيئة يحصل بدون إيلاج جميع الذكر وإن قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان موليا لأن الفيئة لا تحصل بدون ذلك .
فصل : وإن قال لأحدى زوجتيه والله لا وطئتك ثم قال للأخرى أشركتك معها لم يصر موليا من الثانية لأن اليمين بالله لا يصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين وقال القاضي : يكون موليا منهما وإن قال إن وطئتك فأنت طالق ثم قال للأخرى أشركتك معها ونوى فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا لأن الطلاق يصح بالكناية فإن قلنا إن ذلك إيلاء في الأولى صار إيلاء في الثانية لأنها صارت في معناها وإلا فليس وإلا فليس بإيلاء في واحدة منهما وكذلك لو آلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته : أنت مثل فلانة لم يكن موليا وقال أصحاب الرأي هو مول .
ولنا أنه ليس بصريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها .
فصل : ويصح الإيلاء بكل لغة من العجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها لأن اليمين تنعقد بغير العربية وتجب بها الكفارة والمؤلي هو الحالف بالله على ترك وطء زوجته الممتنع من ذلك بيمينه فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدري معناها لم يكن موليا وإن نوى موجبها عند أهلها وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها لأنه لا يصح منه قصد الإيلاء بلفظ لا يدري معناه فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك فالقول قوله إذا كان متكلما بغير لسانه لأن الأصل عدم معرفته بها فأما إن آلى العربي بالعربية ثم قال جرى على لساني من غير قصد أو قال ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر