مسألة وفصول : صفة الوطء الذي تحل به المطلقة ثلاثا .
مسألة : قال : والزوجة إذا لم يدخل بها تبينها تطليقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد .
أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها وذلك لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } فبين الله سبحانه أنه لا عدة عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها وان رغب مطلقها فيها فهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها بنكاح جديد وترجع إليه بطلقتين وإن طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واجدة بغير خلاف بين أهل العلم وإن طلقها ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره في قول أكثر أهل العلم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثا بعد الدخول لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لقول الله سبحانه : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } و [ روت عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله A فقالت : إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها قالت فتبسم رسول الله A ضاحكا وقال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته ] متفق عليه وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه وجمهور أهل العلم على أنها لا تحل للأول حتى يطأها الزوج الثاني وطأ يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال : إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد به إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الأول قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه : { حتى تنكح زوجا غيره } ومع تصريح النبي A ببيان المراد من كتاب الله تعالى وانها لا تحل للأول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج على شيء سواه ولا يسوغ لأحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة Bهم وممن بعدهم مسروق و الزهري و مالك وأهل المدينة و الثوري وأصحاب الرأي و الأوزاعي وأهل الشام و الشافعي و أبو عبيدة وغيرهم .
فصل : ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط .
أحدها : أن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم يحلها لقول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وهذا ليس بزوج ولو وطئت بشبهة لم تبح لما ذكرنا ولو كانت أمة فاستبرأها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي : تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } صريح في تحريمها فلا يعول على ما خالفه ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرما مباحا فسقط هذا .
الشرط الثاني : أن يكون النكاح صحيحا فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه وبهذا قال الحسن و الشعبي و حماد و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي و الشافعي في الجديد وقال في القديم يحلها ذلك وهو الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي A لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه .
ولنا قول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزويج الفاسد ولأن أكثر أحكام الزواج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللا فلقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي A : [ ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ] وقال الله تعالى : { يحلونه عاما ويحرمونه عاما } ولأنه وطء في غير نكاح صحيح أشبه وطء الشبهة .
الشرط الثالث : أن يطأها في الفرج فلو وطئها دونه أو في الدبر لم يحلها لأن النبي A علق الحل على ذواق العسيلة منهما ولا يحصل إلا بالوطء في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحل له لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ولا تحصل من غير انتشار وإن كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي .
قال أبو بكر : وقد روي عن أحمد في الخصي انه لا يحلها فإن أبا طالب سأله في المرأة تتزوج الخصي تستحل به قال لا خصي يذوق العسيلة قال ابو بكر : والعمل على ما رواه مهنا انها تحل ووجه الأول أن الخصي لا يحصل منه الإنزال فلا ينال لذة الوطء فلا يذوق العسيلة ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطء أو ليس بمظنة الإنزال فلا يحصل الإحلال بوطئه كالوطء من غير انتشار .
فصل : واشترط أصحابنا أن يكون الوطء حلالا فإن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام من أحدهما أو منهما أو وأحدهما صائم فرضا لم تحل وهذا قول مالك لأنه وطء حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الإحلال كوطء المرتدة وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وهذه قد نكحت زوجا غيره وأيضا قوله عليه السلام : [ حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ] وهذا قد وجد ولأنه وطء في نكاح صحيح في محل الوطء على سبيل التمام فأحلها كالوطء الحلال وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو طئها مريضة يضرها الوطء وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي وأما وطء المرتدة فلا يحلها سواء وطئها في حال ردتهما أو ردتها أو وطئ المرتد المسلمة لأنه إن لم يعلم المرتد منهما إلى الإسلام تبين أن الوطء في غير نكاح وإن عاد إلى الإسلام في العدة فقد كان الوطء في نكاح غير تام لأن سبب البينونة حاصل فيه وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل إسلام الآخر لم يحلها لذلك .
فصل : فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي : ولا نعلم لهم مخالفا ولأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطء الحر وإن تزوجها مراهق فوطئها أحلها في قولهم إلا مالكا و أبا عبيد فإنهما قالا لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن لأنه وطء من غير بالغ فأشبه وطء الصغير .
ولنا ظاهر النص وأنه وطء من زوج في نكاح صحيح فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن الوطء منه ولا تذاق عسيلته قال القاضي : ويشترط أن يكون له اثنا عشر سنة لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامع ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود فلا معنى لاعتبار سن ما ورد الشرع باعتبارها وتقديره بمجرد الرأي والتحكم وإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن و الزهري و الثوري و الشافعي و أبو عبيد وأصحاب الرأي و ابن المنذر وقال ربيعة و مالك : لا يحلها .
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطء المسلم وإن كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة .
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطء مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله لا يذوق العسيلة لا يصح فإن الجنون إنما هو تغطية العقل وليس العقل شرطا في الشهوة وحصول اللذة بدليل البهائم لكن إن كان المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطء مجنونة في هذه الحال لأنه لا يذوق العسيلة ولا تحصل له لذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذه حاله فلا يكون ههنا اختلاف ولو وطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرناه وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله أخذا من عموم النص والله أعلم .
فصل : ولو وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فاذا هي امرأته أحلها لأنه صادف نكاحا صحيحا ولو وطئها فأفضاها أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ههنا لحقها وإن استدخلت ذكره وهو نائم أو مغمى عليه لم تحل لأنه لا يذوق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية والله أعلم