مسألة وفصلان : طلاق امرأة من نسائه مبهمة .
مسألة : قال : وإذا قال لزوجاته إحداكن طالق ولم ينو بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن .
وجملته أنه إذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها فإنها تخرج بالقرعة نص عليه في رواية جماعة وبه قال الحسن و أبو ثور وقال قتادة و مالك يطلقن جميعا وقال حماد بن أبي سليمان و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي : له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه يملك إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملكه .
ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس Bهما ولا مخالف لهما في الصحابة ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بكون النبي A أقرع بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم في مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية بإحداهن في القسم وكالشريكين إذا اقتسما ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية وأما الدليل على أنهن لا يطلقن جميعا أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها قولهم إنه كان يملك الإيقاع والتعيين قلنا ملكه للتعيين بالإيقاع لا يلزم أن يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها وأما إن نوى واحدة بعينها طلقت وحدها لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه وإن قال إنما أردت فلانة قبل منه لأنه يحتمل ما قاله وإن مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق .
فصل : وإذا قال لنسائه إحداكن طالق غدا فجاء غد طلقت واحدة منهن وأخرجت بالقرعة فإن مات قبل الغد ورثته كلهن وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق فإذا جاء غد أقرع بين الميتة والأحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شيء من الأحياء وصارت كالمعينة بقوله أنت طالق غدا وقال القاضي : قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الأحياء فلو كانتا اثنتين فماتت إحداهما طلقت الأخرى كما لو قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما ظاهر فإن الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله إليها وهذه قد كانت محلا للطلاق وإرادتها بالطلاق ممكنة وإرادتها بالطلاق كإرادة الأخرى وحدوث الموت بها لا يقتضي في حق الأخرى طلاقا فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول في تعليق الطلاق وإذا جاء غد وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبيد الأخر فإن وقعت على المبيع لم يعتق شيء منه وعلى قول القاضي ينبغي أن يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة و الشافعي لأن له تعيين العتق عندهم بقوله فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين وإن باع نصف العبد أقرع بينه وبين الباقين فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسرى إلى باقيه إن كان العتق موسرا وإن كان معسرا لم يعتق إلا نصفه .
فصل : وإذا قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى بذلك معينة انصرف إليها وإن نوى واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو فقال أبو الخطاب : يطلق نساؤه كلهن ويعتق إماؤه لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } - و { أحل لكم ليلة الصيام } ولأن ذلك يروى عن ابن عباس وقال الجماعة يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال إحداكن طالق وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع إلا مجازا والكلام لحقيقته ما لم يصرفه عنها دليل ولو تساوى الاحتمالان لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم