فصول : الشك في وجود سبب الحنث في الطلاق المعلق .
فصل : إذا رأى رجلان طائرا فحلف بالطلاق أنه غراب وحلق الآخر بالطلاق إنه حمام فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثبت ووقوع الطلاق مشكوك فيه فإن ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالأول قوله لأن الأصل معه واليقين في جانبه ولو كان الحالف واحد فقال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن كان حماما فعبيده أحرار أو قال إن كان غرابا فزينب طالق وإن كان حماما فهند طالق ولم يعلم ما هو لم يحكم بحنثه في شيء لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث فلا يزول عن يقين النكاح والملك بالشك فأما إن أحد الرجلين إن كان غرابا فامرأته طالق ثلاثا وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فامرأته طالق ثلاثا فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه بل تبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى لأن كل واحد منهما يقين نكاحه باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه فأما الوطء فذكر القاضي إنه يحرم عليهما لأن أحدهما حانث بيقين وامرأته محرمة عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعا كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها وقال أصحاب الرأي و الشافعي لا يحرم على واحد منهما وطء امرأته لأنه محكوم ببقاء نكاحه ولم يحكم بوقوع الطلاق عليه وفارق الحانث في إحدى امرأتيه لأنه معلوم زوال نكاحه عن إحدى زوجتيه قلنا إنما تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحدة مفردة فيقين نكاحها باق وطلاقها مشكوك فيه لكن لما تحققنا أن إحدهما حرام ولم يمكن تمييزها حرمتا عليه جميعا وكذلك ههنا قد علمنا أن أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطء عليهما ويصير كما لو تنجس أحد الإناءين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجلين أو لرجل واحد وقال مكحول يحمل الطلاق عليهما جميعا ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحد منهما أنه علم الحال وانه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء و الشعبي و الزهري و الحارث العكلي و الثوري و الشافعي لأن كل واحد منهما يمكن صدقه فيما ادعاه وإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث طلقت زوجتاهما بإقرارهما على أنفسهما وإن أقر أحدهما حنث وحده وإن ادعت امرأة أحدهما عليه الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف ؟ يخرج على روايتين .
فصل : فإن قال أحدهما إن كان هذا غرابا فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر فطار ولم يعلما حاله لم نحكم بعتق واحد من العبدين فإن اشترى أحدهما عبد صاحبه بعد أن أنكر حنث نفسه عتق الذي اشتراه لأن إنكاره حنث نفسه منه بحنث صاحبه وإقرار بعتق الذي اشتراه وإذا اشترى من أقر بحريته عتق عليه وإن لم يكن منه إنكار ولا اعتراف فقد صار العبدان في يده وأحدهما حر ولم يعلم بعينه ويرجع في تعيينه إلى القرعة وهذا قول أبي الخطاب وذهب القاضي إلى أنه يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية صاحبه وهذا مذهب الشافعي .
ولنا أنه لم يعترف لفظا ولا فعل ما يلزم الاعتراف فإن الشرع يسوغ له إمساك عبده مع الجهل استنادا إلى الأصل فكيف يكون معترفا مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما ؟ وإنما اكتفينا في إبقاء رق عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما كانا له فحلف بعتق أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ ولو كان الحالف واحدا فقال إن كان غرابا فأمتي حرة ولم يعلم حاله فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما فإن ادعى أحدهما أنه الذي عتق أو ادعى كل واحد منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه .
فصل : وإن قال إن كان غرابا فهذه طالق وإن لم يكن غرابا فهذه الأخرى طالق فطار ولم يعلم حاله فقد طلقت إحداهما فيحرم عليه قربانهما ويؤخذ بنفقتهما حتى تبين المطلقة منهما لأنهما محبوستان عليه لحقه وذهب أصحابنا إلى أنه يقرع بينهما فتخرج بالقرعة المطلقة منهما كقولنا في العبيد والصحيح أن القرعة لا مدخل لها ههنا لما سنذكره فيما إذا طلق واحدة وأنسيها وهو قول أكثر أهل العلم فعلى هذا يبقى التحريم فيهما إلى أن يعلم المطلقة منهما ويؤخذ بنفقتهما فإن قال هذه التي حنثت فيها حرمت عليه ويقبل قوله في حل الأخرى فإن ادعت التي لم يعترف بطلاقها إنها المطلقة فالقول قوله لأنه منكر وهل يحلف ؟ يخرج على روايتين .
فصل : فإن قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن غرابا فعبيده أحرار وطار ولم يعلم حاله منع من التصرف في الملكين حتى يتبين وعليه نفقة الجميع فإن قال كان غرابا طلق نساؤه ورق عبيده فإن ادعى أنه لم يكن غرابا ليعتقوا فالقول قوله وهل يحلف ؟ يخرج على روايتين وإن قال لم يكن غرابا عتق عبيده ولم تطلق النساء فإن ادعين أنه كان غرابا ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان وكل موضع قلنا يستحلف فنكل عن اليمين قضي عليه بنكوله وإن قال لا أعلم ما الطائر ؟ فقياس المذهب أن يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وإن وقعت على العبيد ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور وقال أصحاب الشافعي : إن وقعت القرعة على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي A أقرع بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك فيه ولا يمكن قياسه على العتق لأن الطلاق حل قيد النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح والعتق حل الملك والقرعة تدخل في تمييز الأملاك قالوا ولا يقرع بينهم إلا بعد موته ويمكن أن يقال على هذا ان ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث لا يصلح في حق الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولأن الاماء محرمات على الموروث تحريما لا تزيله القرعة فلم ينجز للوارث بها كما لو تعين العتق فيهن