فصول : نية الحالف باليمين بلفظ عام وصور من تعليق الطلاق بزمن أو صفة .
فصل : وإذا حلف يمينا على فعل بلفظ عام وأراد به شيئا خاصا مثل أن حلف لا يغتسل الليلة وأراد الجنابة أو لا قربت لي فراشا وأراد ترك جماعها أو قال إن تزوجت فعبدي حر وأراد امرأة معينة أو قال إن دخل إلي رجل أو قال أحد فامرأتي طالق وأراد رجلا بعينه أو حلف لا يأكل خبزا يريد خبر البر أو لا يدخل دارا يريد دار فلان أو قال إن خرجت فأنت طالق يريد الخروج إلى الحمام أو قال إن مشيت واراد استطلاق البطن فإن ذلك يسمى مشيا قال النبي A لامرأة : ثم تستمشين ويقال شربت مشيا ومشوا إذا شرب دواء يمشيه فإن يمينه في ذلك على ما نواه ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين قال أحمد : في الظهار فيمن قال لامرأته إن قربت لي فراشا فأنت علي كظهر أمي فجاءت فقامت على فراشه فقال أردت الجماع لا يلزمه شيء وقال الشافعي و محمد بن الحسن : لا يقبل قوله في الحكم في هذا كله لأنه خلاف الظاهر .
ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت بالثانية التوكيد .
فصل : وإن حلف يمينا عامة لسبب خاص وله نية حمل عليها ويقبل قوله في الحكم لأن السبب دليل على صدقه وإن لم ينو شيئا فقد روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه السبب وذكره الخرقي فقال : فإن لم يكن له نية رجع سبب اليمين وما هيجها فظاهر هذا أن يمينه مقصورة على محل السبب وهذا قول أصحاب أبي حنيفة .
وروي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فإنه قال فيمن قال لله علي أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله فقال النذر يوفى به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب الإعتبار في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع .
ووجه الأول أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عدمها لدلالته عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام فلا يختص بمحل السبب لكن الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب فعلى هذا لو قامت امرأته لتخرج فقال إن خرجت فأنت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك أو دعاه إنسان إلى غدائه فقال امرأتي طالق إن تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول ويحنث على الثاني وإن حلف لعامل أن يخرج إلا بإذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل وطلق المرأة وباع المملوك أو حلف على وكيل فعزله خرج في ذلك كله وجهان .
فصل : وإن قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي : لا يحنث لأن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما يحلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة ويخرج المخاطب من اليمين بها أيضا ويحتمل أن يحنث أخذا بعموم اللفظ وإعراضا عن السبب كما في التي قبلها .
فصل : وإذا قال لامرأته إن وطئتك فأنت طالق انصرفت يمينه إلى جماعها وقال محمد بن الحسن : يمينه على الوطء بالقدم لأنه الحقيقة وحكي عنه أنه لو قال أردت به الجماع لم يقبل في الحكم .
ولنا أن الوطء إذا أضيف إلى المرأة كان في العرف عبارة عن الجماع ولهذا يفهم منه الجماع في لفظ الشارع في مثل قول النبي A : [ لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ] فيجب حمله عند الإطلاق عليه كسائر الأسماء العرفية من الظعينة والرواية وأشبههما ولا يحنث حتى تغيب الحشفة في الفرج وإن حلف ليجامعها أو لا يجامعها انصرف إلى الوطء في الفرج ولم يحنث بالجماع دون الفرج وإن أنزل لأن مبنى الأيمان على العرف والعرف ما قلناه .
وإن حلف لافتضضتك فافتضها بأصبع لم يحنث لأن المعهود من إطلاق هذه اللفظة وطء البكر وإن حلف على امرأة لا يملكها أن لا ينكحها فيمينه على العقد لأن إطلاق النكاح ينصرف إليه وإن كان مالكا لها بنكاح أو ملك يمين فهو على وطئها لأن قرينة الحال صارفة عن العقد عليها لكونها معقودا عليها .
فصل : وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق ثم نهاها فخالفته فقال أبو بكر : لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها خالفت نهيه لا أمره وقال أبو الخطاب : يحنث إذا قصد أن لا تخالفه أو لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي لأنه إذا كان كذلك فإنما يريد نفي المخالفة ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره وإن قال لها إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها من مالي شيئا لم يحنث لأن إعطاءها من مالها لا يجوز ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا يتناوله يمينه ويحتمل أن يحنث لأنه نفع ولفظه عام فيدخل المحرم فيه .
فصل : فإن قال لامرأته إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالفت لفظه ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه ويتناوله لفظه وإن خرجت إلى الحمام وغيره وجمعتهما في القصد ففيه وجهان .
أحدهما : يحنث لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إلأيه غيره فحنث بما حلف عليه كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا .
والثاني : لا يحنث لأنها ما خرجت إلى غير الحمام بل الخروج مشترك ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل إذا حلف بالطلاق أن لا يخرج من بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة ثم مر إلى مكة فقال النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجه ما تقدم وقال في رجل حلف بالطلاق أن لا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته فقالت امرأته إذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له إذنا عاما لم يحنث قال القاضي : وهذا من كلام أحمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام .
فصل : فإن حلف ليرحلن من هذه الدار أو ليخرجن من هذه المدينة ففعل ثم عاد إليها لم يحنث إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي عدم الرجوع إليها لأن الحلف على الخروج والرحيل وقد فعلهما وقد نقل عنه إسماعيل بن سعيد إذا حلف على رجل أن يخرج من بغداد فخرج ثم رجع قد مضت يمينه لا شيء عليه .
ونقل عنه مثنى بن جامع فيمن قال لامرأته أنت طالق إن لم نرحل من هذه الدار إن لم يدركه الموت ولم ينو شيئا هي إلى أن تموت فإن رحل لم يرجع ومعنى هذا أنه إن أدركه الموت قبل إمكان الرحيل لم يحنث وإن أمكنه الرحيل فلم يفعل لم يحنث حتى يموت أحدهما فيقع بها الطلاق في آخر أوقات الإمكان وأما قوله إن رحل لم يرجع فمحمول على من كان ليمينه سبب يقتضي هجران الدار على الدوام ونقل مهنا في رجل قال لامرأته إن وهبت كذا فأنت طالق فإذا هي قد وهبت قال أخاف أن يكون قد حنث قال القاضي : هذا محمول على أنه قال إن كنت وهبته وإلا فلا يحنث حتى تبتدئ هبته لأن اليمين تقتضي فعلا مستقبلا يحنث به وما فعلت ما حلف عليه بعد يمينه .
ونقل عنه أيضا في رجل قال لامرأته إن رأيتك تدخلين الدار فأنت طالق فهو على نيته إن أراد أن لا تدخلها حنث وإن كان نوى إذا رآها لم يحنث حتى يراها تدخل وهو كما قال فإن مبنى اليمين على النيات سيما والرؤية تطلق على العلم كقول الله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } ونحوه ومتى لم تكن له نية ولا سبب هناك يدل على إرادته مع الدخول بمجرده لم يحنث حتى يراها تدخل الدار لأنه الذي تناوله لفظه ونقل عنه المروزي في رجل أقرض رجلا دراهم فحلف أن لا يقبلها وكان الرجل ميتا تعطى الورثة يعني إذا مات الحالف يوفى الورثة ولا يبرأ بيمينه لأنها ليست إبراء فلا يسقط الحق بها .
فصل : ولو قال امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة وكان يملك أكثر من مائة أو أقل حنث فإن نوى أني لا أملك أكثر من مائة لم يحنث بملك ما دونها وإن قال إن كنت أملك أكثر من مائة فامرأتي طالق وكان يملك أقل من المائة لم يحنث لأنه صادق .
فصل : فإن قال لامرأته يا طالق أنت طالق إن دخلت الدار طلقت واحدة بقوله يا طالق وبقيت أخرى معلقة بدخول الدار ولو قال أنت طلاق ثلاثا يا طالق إن دخلت الدار فإن كانت له نية رجع إليها وإلا وقعت واحدة بالنداء وبقيت الثلاث معلقة على دخول الدار وكذا لو قال أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار وعاد الشرط إلى الطلاق دون القذف وقال محمد بن الحسن : يرجع الشرط إليهما في المسألتين فلا يقع بها في الحال شيء والأولى أن يرجع الشرط إلى الخبر الذي يصح فيه التصديق والتكذيب وجرت العادة بتعليقه بالشرط بخلاف النداء والقذف الذي لا يوجد ذلك فيه .
فصل : فإن قال لامرأته أنت طالق مريضة بالنصبة أو الرفع ونوى به وصفها بالمرض في الحال طلقت في الحال وإن نوى به أنت طالق في حال مرضك لم تطلق حتى تمرض لأن هذا حال والحال مفعول فيه كالظرف ويكون الرفع لحنا لأن الحال منصوب وإن أطلق ونصب انصرف إلى الحال لأن مريضة اسم نكرة جاء بعد تمام الكلام وصفا لمعرفة فيكون حالا وإن رفع فالأولى وقوع الطلاق في الحال ويكون ذلك وصفا لطالق الذي هو خبر المبتدأ وإن أسكن احتمل وجهين .
أحدهما وقوع الطلاق في الحال لأن قوله أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق في الحال فقد تيقنا وجود المقتضي وشككنا فيما يمنع حكمه فلا نزول عن اليقين بالشك .
والثاني : لا يقع إلا في حال مرضها لأن ذكره للمرض في سياق الطلاق يدل على تعليقه به وتأثيره فيه ولا يؤثر فيه إلا إذا كان حالا