فصول : تعليق الطلاق على مشيئة الله .
فصل : فإن قال أنت طالق إن شاء الله تعالى طلقت وكذلك إن قال عبدي حر إن شاء الله تعالى عتق نص عليه أحمد في رواية جماعة وقال ليس هما من الأيمان وبهذا قال سعيد بن المسيب و الحسن و مكحول و قتادة و الزهري و مالك و الليث و الأوزاعي و أبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع وكذلك العتاق وهو قول طاوس و الحكم و أبي حنيفة و الشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها فلم يقع كما لو علقه على مشيئة زيد وقد قال رسول الله A : [ من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث ] رواه الترمذي وقال حديث حسن .
ولنا ما روى أبو جمرة قال سمعت ابن عباس يقول : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق وراه أبو حفص بإسناده وعن أبي بردة نحوه .
وروى ابن عمر وأبو سعيد قال : كنا معاشر أصحاب رسول الله A نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في العتاق والطلاق ذكر أبو الخطاب وهذا نقل للإجماع وإن قدر أنه قول بعضهم ولم يعلم له مخالف فهو إجماع ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ولأنه استثناء حكما في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح ولأنه إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله كما لو قال أبرأتك إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى عمله فأشبه تعليقه على المستحيلات والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق والعتاق إنشاء وليس بيمين حقيقة وإن سمي بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله ثم إن الطلاق إنما سمي يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا فلم يمكن الاستثناء بعد يمين وقولهم علقه على مشيئة لا تعلم قلنا قد علمت مشيئة الله للطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة : قد شاء الله حين أذن أن يطلق ولو سلمنا أنها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال .
فصل : فإن قال أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله فعن أحمد فيه روايتان إحداهما : يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان ولما ذكرناه في الفصل الأول .
والثانية : لا تطلق وهو قول أبي عبيد لأنه إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام : [ من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث ] وفارق ما إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم .
فصل : فإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت ووافق أصحاب الشافعي على هذا في الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم وإن قال أنت طالق إن لم يشأ الله أو لم يشأ الله وقع أيضا في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق ويحتمل أن لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال مثل قوله أنت طالق إن جمعت بين الضدين أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه وإن قال أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه وإن لم تدخل علمنا أن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله كان وكذلك إن قال أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق