فصلان : تعمد الحنث باليمين .
فصل : فإن حلف لا يكلم إنسانا فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنه كلمه وإنما لم يسمع لغفلته أو شغل قلبه وإن كلمه ولم يعرفه فإن كانت يمينه بالطلاق حنث قال أحمد : في رجل حلف بالطلاق أن لا يكلم حماته فرآها بالليل فقال من هذا ؟ حنث قد كلمها وإن كانت يمينه بالله أو يمينا مكفرة فالصحيح أنه لا يحنث لأنه لم يقصد تكليمه فأشبه الناسي ولأنه ظن المحلوف عليه غيره فأشبه لغير اليمين وإن سلم عليه حنث لأنه كلمه بالسلام وإن سلم على جماعة هو فيهم وأراد جميعهم بالسلام حنث لأنه كلمهم كلهم وإن قصد بالسلام من عداه لم يحنث لأنه إنما كلم غيره وهو يسمع وإن لم يعلم أنه فيهم ففيه روايتان إحداهما : يحنث لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم والثانية : لا يحنث لأنه لم يقصده ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق لأنه لا يعذر فيها بالنسيان والجهل في الصحيح من المذهب وعدم الحنث على اليمين المكفرة فإن كان الحالف إماما والمحلوف عليه مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم في غير الصلاة ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف وإن حلف لا يكلم فلانا فكلم إنسانا وفلانا يسمع يقصد بذلك إسماعه كما قال * إياك عني واسمعي يا جارة * حنث نص عليه أحمد قال : إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم إنسانا وفلان يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه .
وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيدا فعزم زياد على الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره وأخذ ابنه في حجره فقال إن أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله A بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج ولم ير أنه كلمه والأول الصحيح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولأن به مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه .
فصل : فإن قكت إليه أو أرسل إلأيه رسولا حنث إلا أن يكون قصد أن لا يشافهه نص عليه أحمد وذكره الخرقي في موضع آخر وذلك لقول الله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا } ولأن القصد بالترك لكلامه هجرانه ولا يحصل مع مواصلته بالرسل والكتب ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بتكليم حقيقة ولو حلف ليكلمنه لم يبر بذلك إلا أن ينويه فكذلك لا يحنث به ولو حلف لا يكلمه فأرسل إنسانا يسأل أهل العلم عن مسألة أو حديث فجاء الرسول فسأله المحلوف عليه لم يحنث بذلك وإن حلف لا يكلم إمرأته فجامعها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل قال لامرأته إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق أله أن يجامعها ولا يكلمها ؟ فقال أي شيء كان بدو هذا أيسوؤها أو يغيظها فإن لم يكن له نية فله أن يجامعها ولا يكلمها وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القراءة قال أحمد إذا حلف لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره إلا أنه لم يحرك شفتيه فإن أراد أن لا يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه