فصول في تعليق الطلاق فصول : اختلاف الزوجين في تحقيق شرط الطلاق والمعلق على حيضها أو حيض أحداهن وتعليق الطلاق بزمن أو بصفة أو حادث .
فصل : إذا قال لامرأته إن حضت فأنت طالق فقالت قد حضت فصدقها طلقت وإن كذبها ففيه روايتان : .
إحداهما : يقبل قولها لأنها أمينة على نفسها وهذا قول أبو حنيفة و الشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله تعالى قال : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قيل هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه مقبول لما حرم عليها كتمانه وصار هذا كما قال الله تعالى : { ولا تكتموا الشهادة } لما حرم كتمانها دل على قبولها كذا ههنا ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها فوجب الرجوع إلى قولها فيه كقضاء عدتها .
والرواية الثانية : لا يقبل قولها ويختبرها النساء بإدخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت الحيض فيه فإن ظهر الدم فهي حائض وإلا فلا قال أحمد في رواية مهنا في رجل قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق وعبدي حر قالت : قد حضت ينظر إليها النساء فتعطى قطنة وتخرجها فإن خرج الدم فهي حائض تطلق ويعتق العبد وقال أبو بكر : وبهذا أقول وهذا لأن الحيض يمكن التوصل إلى معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول المذهب ولعل أحمد إنما اعتبر البينة في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها : إنما يقبل في حق نفسها دون غيرها وهل يعتبر يمينها إذا قلنا القول قولها ؟ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها فأنكرها ولا يقبل قولها إلا في حق نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد في رجل قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق وهذه معك لامرأته الأخرى قالت قد حضت من ساعتها أو بعد ساعة تطلق هي ولا تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة على نفسها ولا يجعل طلاق هذه بيدها وهذا مذهب الشافعي وغيره لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في الرد على المودع دون غيره ولو قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت فصدقها طلقتا بإقراره وإن كذبها طلقت وحدها وإن ادعت الضرة أنها قد حاضت لم يقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وإنما ائتمنت على نفسها في حيضها وإن قال قد حضت فأنكرت طلقتا بإقراره ولو قال لامرأتيه إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضهما وحيض ضرتها ولا يقبل قول ضرتها عليها فلم يوجد الشرطان وإن صدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطين في طلاقهما ولم تطلق المصدقة لأن قول ضرتها غير مقبول في حقها وما صدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها .
فصل : فإن قال لأربع إن حضتن فأنتن طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وإن صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا يطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن .
فصل : وإن قال لهن كلما حاضت إحداكن أو أيتكن حاضت فضراتها طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن وإن صدق واحدة طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة ولم تطلق هي لأنه لم يثبت حيض ضرة لها وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة طلقة لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة وطلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين طلقتين .
فصل : إذا قال لطاهر إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا حكمنا بوقوع الطلاق كما يحكم بكونه حيضا في المنع من الصلاة وغيرها مما يمنع من الحيض وإن بان أنه ليس بحيض لانقطاعه لدون أقل الحيض بان أن الطلاق لم يقع وبهذا قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا قال غير ذلك إلا مالكا فإن ابن القاسم روى عنه أنه يحنث حين تكلم به وقد سبق الكلام معه في هذا وإن قال لحائض إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ولم قال لطاهر إذا تطهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر وهذا يحى عن أبي يوسف .
وقال بعض أصحاب الشافعي الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها تطلق بما يتجدد من حيضها وطهرها في المسألتين لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته .
ولنا أن إذا اسم زمن مستقبل يقتضي فعلا مستقبلا وهذا الحيض والطهر مستدام غير متجدد ولا يفهم من إطلاق حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك فتعلقت الصفة به ولو قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه أحمد لأنه لا توجد حيضة كاملة إلا بذلك ولو قال لحائض إذا طهرت فأنت طالق طلقت بأو الطهر وتطلق في الموضعين بانقطاع دم الحيض قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي وذكر أبو بكر في التنبيه فيها قولا أنها لا تطلق حتى تغتسل بناء على أن العدة لا تنقضي بانقطاع الدم حتى تغتسل .
ولنا أن الله تعالى قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } أي ينقطع دمهن { فإذا تطهرن } أي اغتسلن ولأنه قد ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام موقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضا فيلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان على التعيين فيلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر .
فصل : فإن قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها منها وإن قال إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى لكونهما مرتبتين عليها .
فصل : فإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة وينبغي أن يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق ويحتمل أنه لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لأننا لا نتيقن مضي نصف الحيضة إلا بذلك إلا أن تطهر لأقل من ذلك ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة وقيل يلغو قوله نصف حيضة ويبقى طلاقها معلقا بوجود الحيض والأول أصح فإن الحيض له مدة أقلها يوم وليلة وله نصف حقيقة والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده وتعلق الحكم به كالحمل .
فصل : وإن قال لامرأتيه إذا حضتما حيضة واحدة فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان كقول الله تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } أي اجلدوا كل واحد منهما ثمانين ويحتمل أن يتعلق الطلاق بحيض إحداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجبت إضافته إلى إحداهما كقوله تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرج من أحدهما وقال القاضي : يلغو قوله حيضة واحدة لأن حيضة واحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا احد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فتصير كتعليق الطلاق بالمستحيلات والوجه الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محلم سائغ وتبعيد لوقوع الطلاق واليقين بقاء النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا وغير هذا الوجه لا يحصل به اليقين .
فإن أراد بكلامه أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعى ذلك قبل منه وإذا أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما فهو تعليق الطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله حيضة ويحتمل لا يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد فلا يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع في الحال ويلغو الشرط بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل .
فصل : وإذا كان له أربع نسوة فقال أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت فمضى الوقت ولم يطأهن طلقهن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير مطوءات وإن وطئ ثلاثا وترك وحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها ضرة غير موطوءة وتطلق كل واحدة من الموطوءات طلقة طلقة وإن وطئ اثنتين طلقتا طلقتين طلقتين المتروكتان طلقة طلقة وإن وطئ واحدة طلقت ثلاثا وطلقت كل واحدة من المتروكات طلقتين وإن لم يقيده بوقت كان وقت الطلاق مقيدا بعمره وعمرهن فأيتهن ماتت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا ماتت أخرى فكذلك وإن مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته .
فصل : فإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ولم تكن حاملا طلقت وإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين أو لأقل من أربع سنين ولم يكن بطأها لم تطلق لأنا تبينا أنها كانت حاملا بذلك الولد وإن مضت أربع سنين ولم تلد تبينا أنها طلقت حين عقد اليمين وإن كان يطؤها وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أربع سنين نظرت علامات الحمل من انقطاع الحيض ونحوه قبل وطئه أو قريبا منه بحيث لا يحتمل أن يكون من الوطء الثاني لم تطلق وإن حاضت أو وجد ما يدل على براءتها من الحمل طلقت وإن لم يظهر ذلك واحتمل أن يكون من الثاني ففيه وجهان : .
أحدهما : تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطء والثاني : لا تطلق لأن اليقين بقاء النكاح فلا يزول بشك واحتمال ولا يجوز للزوج وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل عدم الحمل ووقوع الطلاق وإلا استبرأها ههنا بحيضة فإن وجدت الحيضة على عادتها تبينا وقوع طلاقها وإن لم تأت في عادتها كان ذلك دليلا على حملها وحل وطئها وإن قال إن كنت حاملا فأنت طالق فهي عكس المسألة التي قبلها ففي الموضع الذي يقع الطلاق ثم لا يقع ههنا وفي الموضع الذي لا يقع ثم يقع ههنا إلا أنها إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين وطء الزوج بعد اليمين ولأقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق لأن تعين النكاح باق والظاهر حدوث الولد من الوطء لأن الأصل عدمه قبله ولا يحل له الوطء حتى يستبرئها نص عليه أحمد قال القاضي : يحرم الوطء سواء قلنا الرجعية مباحة أو محرمة لأنه يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه وقال أبو الخطاب في رواية أخرى : لا يحرم الوطء لأن الأصل بقاء النكاح وبراءة الرحم من الحمل وإذا استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكون الاستبراء بحيضة .
قال أحمد في رواية أبي طالب : إذا قال لامرأته متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض فإذا طهرت وطئها فإن تاخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن انتظر عليها تسعة أشهر غالب مدة الحمل وذكر القاضي فيها رواية أخرى أنها تستبرأ بثلاثة أقراء ولأنه استبراء الحرة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وقد حصل بحيضة ولهذا قال عليه السلام : [ لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ] يعني تعلم براءتها بحيضة ولأن ما يعلم به البراءة في حق الأمة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق وأما العدة ففيها نوع تعبد لا يجوز أن يعرى بالقياس وهل تعتدان بالإستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها ؟ على وجهين أصحهما الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين والثاني : لا يعتد به لأن الاستبراء لا يتقدم على سببه ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة .
قال أحمد : إذا قال لامرأته إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لأن الحيض علم على براءتها من الحمل ووطؤها سبب له فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت منه .
فصل : إذا قال إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى طلقت بولادتها طلقتين واعتدت بالقروء وإن ولدت غلاما وجارية وكان الغلام أولهما ولادة تبينا أنها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بها وإن كانت الجارية أولهما ولادة طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية وانقضت عدتها بوضع الغلام وإن قال لها إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بجارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية طلقت ثلاثا .
وإن قال إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا هو جارية ذكره القاضي في المجرد و أبو الخطاب وبه قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال القاضي في الجامع في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه من غزلها .
فصل : فإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثا دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأن صفة الثلاث وجدت وهي زوجة وإن ولدتهم في دفعات من حمل واحد طلقت بالأولين وبنات بالثلاث ولم تطلق ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن ابن حامد أنها تطلق لأن زمان البينونة زمن الوقوع ولا تنافي بينهما .
ولنا أن العدة انقضت بوضع الحمل فصادفها الطلاق بائنا فلم يقع كما لو قال إذا مت فأنت طالق وقد نص أحمد فيمن قال أنت طالق مع موتي أنها لا تطلق فهذا أولى وإن قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثا وإن ولدتهما في دفعتين وقع بالأول ما علق عليه وبانت بالثاني ولم يقع به شيء إلا على قول ابن حامد فإن أشكر الأول منهما أو كيفية وضعهما طلقت واحدة بيقين ولا نلزمه الثانية والورع أن يلتزمها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال القاضي : قياس المذهب أن يقرع بينهما .
وإن قال إن كان أول ما تلدين ذكر فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقن كلهن ثلاثا ثلاثا وإن ولدن في دفعات وقع بضرائر الأولى طلقة طلقة فإذا ولدت الثانية بانت بوضعه ولم تطلق وهل يطلق سائرهن ؟ فيه احتمالان أحدهما : لا يقع بهن طلاق لأنها لما انقدت عدتها بانت فلم يبقين ضرائرها والزوج إنما علق على ولادتها طلاق ضرائرها .
والوجه الثاني : يقع بكل واحدة طلقة لأنهن ضرائرها في حال ولادتها فعلى هذا يقع بكل واحدة من اللتين لم يلدن طلقتان طلقتان وتبين هذه وتقع بالوالدة الأولى طلقة فإذا ولدت الثالثة بانت وفي وقوع الطلاق بالباقيتين وجهان فإذا قلنا يقع بهن طلقت الرابع ثلاثا والأولى طلقتين وبانت الثانية والثالثة وليس فيهن من له رجعتها إلا الأولى ما لم تنقض عدتها وإذا ولدت الرابعة لم تطلق واحدة منهن وتنقضي عدتها بذلك .
وإن قال كلما ولدت واحدة منكن فسائركن طوالق أو فباقيكن طوالق فكلما ولدت واحدة وقع بباقيهن طلقة طلقة وتبين الوالدة بوضع ولدها إلا الأولى والفرق بين هذه وبين التي قبلها أن الثانية والثالثة يقع الطلاق بباقيهن وولادتهما ههنا وفي الأولى لا يقع لأنهن لم يبقين ضرائرها وههنا لم يعلقه بذلك وإن قال كلما ولدت واحدة منكن فأنت طوالق فكذلك إلا أنه يقع على الأولى طلقة بولادتها فإن كان الثانية حاملا باثنين فوضعت الأول منهما وقع بكل واحدة من ضرائرها طلقة في المسائل كلها ووقع بها طلقة في المسألة الثالثة وإذا وضعت الثالثة أو كانت حاملا باثنين فكذلك فتطلق الرابعة ثلاثا وتطلق كل واحدة من الوالدات طلقتين طلقتين في المسألتين الأوليين وثلاثا في المسألة الثالثة فكلما وضعت واحدة منهن تمام حملها انقضت به عدتها قال القاضي : إذا كانت له زوجتان فقال كلما ولدت واحدة منكما فأنتما طالقتان فولدت إحداهما يوم الخميس طلقتا جميعا ثم ولدت الثانية يوم الجمعة بانت وانقضت عدتها ولم تطلق وطلقت الأولى ثانية فإذا كانت كل واحدة منهما حاملا باثنين طلقتا بوضع الثانية طلقة طلقة أيضا ثم إذا ولدت الأولى تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية ثلاثا فإذا ولدت الثانية تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية ثلاثا .
فصل : وإذا قال لامرأته إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاد ذلك ثانية طلقت واحدة لأن إعادته تكليم لها وشرط لطلاقها فإن أعاده ثالثة طلقت ثانية إلا أن يكون غير مدخول بها فتبين بالأولى ولا يلحقها طلاق ثان وإن أعاده رابعة طلقت الثالثة وإن قال إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك أو فتحققي ذلك حنث لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ وإن زجرها فقال : تنحي أو اسكتي أو اذهبي حنث لأنه كلام وإن سمعها تذكر فقال : الكاذب عليه لعنة الله حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها وإن كلمها وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها بإغماء أو جنون لا تسمع أو بعيدة لا تسمع كلامه أو صماء بحيث لا تفهم كلامه ولا تسمع أو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتا لم يحنث وقال أبو بكر : يحنث في جميع ذلك لقول أصحاب النبي A كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ .
ولنا أن التكلم فعل يتعدى إلى المتكلم وقد قيل إنه مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا بإسماعه ف [ أما تكليم النبي A الموتى فمن معجزاته فإنه قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ] ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي A كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ حجة لنا فإنهم قالوا ذلك استبعادا أو سؤالا عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي A حكمة ذلك بأمر مختص به فيبقى الأمر في حق من سواه على النفي وإن حلف لا كلمت فلانا فكلمته سكران حنث لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه وإن كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وإن كلمته وهو صبي أو مجنون يسمع ويعلم أنه مكلم حنث وإن جنت هي ثم كلمته لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم