فصلان : تعليق الطلاق بشرطين .
فصل : فإن قال أنت طالق أن قمت بفتح الهمزة فقال أبو بكر تطلق في الحال لأن أن المفتوحة ليست للشرط وإنما هي للتعليل فمعناه أنت طالق لأنك قمت أو لقيامك كقول الله تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا } { وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا } { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم } وقال القاضي : قياس قول أحمد أنه إن كان نحويا وقع طلاقه وإن لم يكن نحويا فهي للشرط لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط ولا يعرف إن مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده كما لو نطق كلمة الطلاق بلسان لا يعرفه وحكي عن ابن حامد أنه قال في النحوي أيضا لا يقع طلاقه بذلك إلا أن ينوبه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعا .
واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه أحدها : يقع طلاقه في الحال والثاني : يكون شرطا في حق العامي وتعليلا في حق النحوي والثالث : يقع الطلاق إلا أن لا يكون من أهل الإعراب فيقول أردت الشرط فيقبل لأنه لا يجوز صرف الكلام عما يقتضيه إلا بقصده .
وإن قال أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للماضين ويحتمل أن لا يقع لأن الطلاق لا يقع في زمن ماض فأشبه قوله أنت طالق أمس .
فصل : وغذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعا في قول عامة أهل العلم وخرج القاضي وجها في وقوعه بوجود أحدهما بوجود أحدهما بناء على إحدى الروايتين فيمن حلف أن لا يفعل شيئا ففعل بعضه وهذا بعيد جدا يخالف الأصول ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل العلم فإنه لا خلاف بينهم في المسائل التي ذكرناها في الشرطين جميعا وإذا اتفق العلماء على أنه لا يقع طلاقه لإخلاله بالترتيب في الشرطين المرتبين في مثل قوله إن أكلت ثم لبست فلإخلاله بالشرط كله أولى ثم يلزم على هذا ما لو قال إن أعيطتني درهمين فأنت طالق وإذا مضى شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق قبل وجودهما جميعا وكان قوله يقتضي أن يقع الطلاق بإعطائه بعض درهم ومضي بعض يوم وأصول الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما .
وقد نص أحمد على أنه إذا قال إن حضت حيضة فأنت طالق وإذا قال إذا صمت يوما فأنت طالق أنها لا تطلق حتى تحيض حيضى كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي تصوم فيه طلقت وأما اليمين فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث إلا بفعل جميعه وفي مسألتنا ما يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين معا لتصريحه بهما وجعلهما شرطا للطلاق والحكم لا يثبت بدون شرطه على أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه فيقتضي المنع من فعل جميعه لنهي الشارع عن شيء يقتضي المنع من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته وما علق على شرط جعل جزاء وحكما له والجزاء لا يوجد بدون شرطه والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه لغة وعرفا وشرعا