فصول : بطلان استثناء الأكثر من الأقل في الطلاق وحكم استثناء الاستثناء .
ولا يصح استثناء الأكثر نص عليه أحمد فلو قال : أنت طالق ثلاثا لا اثنتين وقع ثلاث والأكثرون على أن ذلك جائز وقد ذكرناه في الإقرار وذكرنا أن أهل العربية إنما أجازوه في القليل من الكثير وحكينا ذلك عن جماعة من أئمة أهل اللغة فإذا قال : أنت طالق إلا واحدة وقع اثنتان وإن قال : الا ثنتين وقع ثلاث وإن قال : طلقتين إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما : يقع طلقة والثاني : طلقتان بناء على استثناء النصف هل يصح أو لا ؟ على وجهين وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع بعض المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه وإن قال : أنت طالق خمسا إلا ثلاثا وقع ثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما لا يصح وإن قال : خمسا ففيه وجهان أحدهما : يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثني فكأنه قال : أنت طالق أربعا والثاني : يقع اثنتان ذكره القاضي لآن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات وهي الثلاث وما زاد عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح ويقع طلقتان .
وإن قال أنت طالق أربعا إلا اثنين فعلى الوجه الأول يصح الاستثناء ويقع اثنتان وعلى قول القاضي ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الأكثر .
فصل : فإن قال : أنت طالق اثنتين وواحدة إلا واحدة ففيه وجهان أحدهما : لا يصح الاستثناء لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكرها واستثناؤها لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغاية وإلغاء المستثنى منه بطل كاستثناء الجميع ولأن إلغاءه وحده أولى من الغائه مع الغاء غيره ولأن الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف ولواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة فيصير مستثنيا لواحدة من ثلاث لذلك لو قال له : علي مائة وعشرون درهما إلا نمسين صح والأول أصح وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي .
وإن قال : أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة فعلى الوجه الثاني يصح الاستثناء وعلى الوجه الأول يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء النصف وإن قال : أنت طالق وطالق إلا طلقة أو قال : طالق طلقتين ونصفا إلا طلقة فالحكم في ذلك كالحكم في المسألة الأولى سواء وإن كان العطف بغير واو كقوله أنت طالق فطالق فطالق أو طالق ثم طالق إلا طلقة لم يصح الاستثناء لأن هذه حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما فبلها فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح وإن قال : أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين لم يصح الاستثناء لأنه إن عاد إلى الجملة التي تليه فهو رفع لجميعها وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وإن استثناء النصف يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح لأنه إن عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين فهو استثناء الجميع فصل : وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان أحدهما : يلغو الاستثناء ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنيا لثلاث من ثلاث وهذا وجه لأصحاب الشافعي وقول أبي حنيفة والثاني : يصح الاستثناء في طلقة لأن استثناء الأقل جائز وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده وقال أبو يوسف و محمد : يصح استثناء اثنتين ويلغو في الثالثة بناء على أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي وإن قال : أنت طالق طلقتين إلا طلقة وطلقة ففيه الوجهان وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصف احتمل وجهين أيضا .
أحدهما : يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنيا للأكثر فيلغو .
والثاني : يصح في طلقة فتقع طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها فإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة كان عاطفا على الستثناء فيصح الأول ويلغو الثاني لأننا لو صححناه لكان مستثنيا للأكثر فيقع به طلقتان ويجيء على قول من أجاز استثناء الأكثر أن يصح فيهما فتقع طلقة واحدة وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل أن يلغو الاستثناء القاني ويصح الأول فيقع به طلقتان ويحتمل أن يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه إثبات طلقة في حقها لكون الاستثناء من النفي إثلاتا فيقبل ذلك في إيقاع طلاقه وإن لم يقبل في نفيه كما لو قال : أنت طالق طلقتين ونصفا وقع به ثلاث ولو قال : أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة وقع به ثلاث فكمل النصف في الإثبات ولم يكمبق في النفي .
فصل : ويصح الاستثناء من الاستثناء ولا يصح منه في الطلاق إلا مسألة واحدة على اختلاف فيها وهي قوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة فإنه يصح إذا أجزنا استثناء النصف فيقع به طلقتان فإن قيل فكيف أجزتم استثناء الاثنين من الثلاث وهي أكثرها ؟ قلنا لأنه لم يسكت عليها بل وصلهما بأن لستثنى منها طلقة فصار عبارة عن واحدة وإن قا ل : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنين لم يصح لأن استثنيء الاثنين من الثلاث لا يصح لأنهما أكثرها واستثناء الثلاث من الثلاث لا يصح لأنها جميعها وإن قال : ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح ووثع ثلاث لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث بقي اثنتان لا يصح ايتثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر أنه يثح أن الاستثناء الأول يلغو كونه استثناء الجميع فيرجع قوله إلا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتا لها فلا يجوزجعلها من الثلاث المثبتة لأنه يكون إثباتا من إثبات ولا يصح الا ستثناء في جميع ذلك إلا متصلا بالكلام وقد ذكر في الإقرار والله أعلم