مسألة وفصلان : التخيير على الفور أو في مدة معينة .
مسألة : قال : ولو خيرها فاختارت فرقته من وقتها وإلا فلا خيار لها .
أكثر أهل العلم على أن التخيير على الفور إن اختارت في وقتها وإلا فلا خيار لها بعده روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر Bهم وبه قال عطاء و جابر بن زيد و مجاهد و الشعبي و النخعي و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وقال الزهري و قتادة و أبو عبيد و ابن المنذر و مالك في إحدى الروايتين هو على التراخي ولها الاختيار في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ واحتج ابن المنذر [ قول رسول الله A لعائشة لما خيرها : أني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ] وهذا يمنع قصره على المجلس ولأنه جعل أمرها اليها فأشبه أمرك بيدك .
ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة روى النجاد بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال قضى عمر وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال : ما داما في مجلسها ونحوه عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان إجماعا ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول فأما الخبر فإن النبي A جعل لها الخيار على التراخي وخلافنا في المطلق وأما أمرك بيدك فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسألتنا .
فصل : وقوله في وقتها أي عقيب كلامه ما لم يخجلا من الكلام الذي كانا فيه إلى غير ذكر الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها قال أحمد : إذا قال لامرأته اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فإن طال المجلس وأخذوا في الكلام غير ذلك ولم تختر فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه إنه يتقيد بالمجلس وقيل هو على الفور وقال أحمد أيضا : الخيار على مخاطبة الكلام أن تجاوبه ويجاوبها إنما هو جواب كلام إن أجابته من ساعته وإلا فلا شيء ووجهه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الإمكان فلم يصح كما لو قاما من مجلسها فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها وقال أبو حنيفة : يبطل بقيامها دون قيامه بناء على أصله في أن الزوج لا يملك الرجوع وعندنا أنه يملك الرجوع فبطل بقيامه كما يبطل بقيامها وإن كان أحدهما قائما أو مشى بطل الخيار وإن قعد لم يبطل والفرق بين القيام والقعود أن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار فيكون إعراضا والعقود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت لم يبطل لأن ذلك لا يبطل الفكر وإن تشاغل أحدهما بالصلاة بطل الخيار وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وإن أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها وإن أكلت شيئا يسيرا أو قالت بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس بإعراض وإن قالت ادع لي شهودا أشهدهم على ذلك لم يبطل خيارها وإن كانت راكبة فسارت بطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي .
فصل : فإن جعل لها الخيار متى شاءت أو في مدة فلها ذلك في تلك المدة وإذا قال : اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات وإن قال : اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فإن ردت الخيار في الأول بطل كله وكذلك إن قال : لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي A قال ذلك لعائشة فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير وإن قال : اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته في اليوم الأول لم يبطل في الثاني وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الأولى أيضا لأنهما خياران في زمنين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياسا على المسألة الثانية .
ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد وكخيار الشرط وخيار المعتقة ولا نسلم أنهما خياران وإنما هو خيار واحد في يومين وفارق ما إذا قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد ولو خبرها شهرا فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار .
ولنا أنها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم تزوجها بطل خيارها لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا كله كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت ففي اليوم الأول لم يبطل بعد في غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما من صاحبه فلم يبطل أحدهما ببطلان الآخر بخلاف ما إذا كان الزمان متصلا واللفظ واحد فإنه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه وإن قال لك الخيار يوما أو أمرك بيدك يوما فابتداؤه من حين نطق به إلى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال يوم بتمامه إلا بذلك وإن قال : شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة وإن قال : الشهر أو اليوم أو السنة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة