مسألتان وفصلان : تطلق المخيرة نفسها ثلاثا وتعليق الاختيار .
مسألة : قال : وإن طلقت نفسها ثلاثا وقال لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت .
وممن قال القضاء ما قضت عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي وفضالة بن عبيد وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و الزهري وعن عمر وابن مسعود أنها تطليقة واحدة وبه قال عطاء و مجاهد و القاسم و ربيعة و الأوزاعي و الشافعي قال الشافعي إن نوى ثلاثا فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى غير ذلك لم تطلق ثلاثا والقول قوله في نيته .
قال القاضي : ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة لأنه نوع تخيير فيرجع إلى نيته فيه كقوله اختاري .
ولنا أنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لأنه خلاف ما يقتضيه ولا يدين في هذا لأنه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثا .
مسألة : قال : وكذلك الحكم إذا جعله في يد غيرها .
وجملة ذلك أنه إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها صح وحكمه حكم ما لو جعله بيدها في أنه بيده في المجلس وبعده ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لأنه توكيل وسواء قال له : أمر امرأتي بيدك فقال جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو قال : طلق امرأتي وقال أصحاب أبي حنيفة ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري .
ولنا أنه توكيل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع وإذا ثبت هذا فإن له يطلقها ما لم يفسخ أو يطأها وله أن يطلق واحدة وثلاثا كالمرأة وليس له أن يجعل الأمر إلا بيد من يجوز توكيله وهو العاقل فأما الطفل والمجنون فلا يصح أن يجعل الأمر بأيديهم فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه وقال أصحاب الرأي يصح .
ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلم يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق وإن جعله في يد كافر أو عبد صح لأنه ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلها فيه وإن جعله في يد امرأة صح لأنه يصح توكيلها في العتق فصح في الطلاق كالرجل وإن جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال : إذا قال الصبي : طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقة ؟ فأعتبر طلاقه بالوكالة بطلانه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغير والمجنون بيدها لم تملك ذلك نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها أمرك بيدك فقالت : اخترت نفسي ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل وهذا لأنه تصرع بحكم التوكيل وليست من أهل التصرف وظاهر كلام أحمد أنها إذا علقت الطلاق وإن طلاقها وإن لم تبلغ كما قررناه في الصبي إذا طلق وفي الصبي رواية أخرى لا يقع طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لأنها مثله في المعنى والله أعلم .
فصل : فإن جعله في يد أو وكل اثنين في طلاق زوجته صح وليس لأحدهما أن يطلق على الانفراد إلا أن يجعل إليه ذلك لأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا وبهذا قال الحسن و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو عبيد و ابن المنذر وإن طلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا وقعت واحدة وبهذا قال إسحاق وقال الثوري لا يقع شيء .
ولنا أنهما طلقا جميعا واحدة مأذونا فيها فصح كما لو جعل إليها واحدة .
فصل : ويصح تعليق أمرك بيدك واحتاري نفسك بالشروط وكذلك إن جعل ذلك إلى أجنبي صح مطلقا ومقيدا ومعلقا نحو أن يقول اختاي نفسك وأمرك بيدك شهرا أو إذا قدم فلان فأمرك بيدك واختاري نفسك يوما أو يقول ذلك لأجنبي قال أحمد إذا قال إذا كان سنة أو أجل مسمى فأمرك بيدك فإذا دخل ذلك فأمرها بيدها وليس لها قبل ذلك أمر وقال أيضا إذا تزوج امرأة وقال لأبيها إن جاءك خبري إلى ثلاث سنين وإلا فأمر ابنتك إليك فلما مضت السنون لم يأت خبره فطلقها الأب فإن كان الزوج لم يرجع فيما جعل إلى الأب فطلاقه جائز ورجوعه أن يشهد انه قد رجع فيما جعل إليه ووجه هذا انه فوض أمر الطلاق إلى من يملكه فصح تعليقه على شرط كالتوكيل الصريح فإذا صح هذا فإن الطلاق إلى من فوض إليه على حسب ما جعله إليه في الوقت الذي عينه له لا قبله بعده وللزوج الرجوع في هذا لأنه عقد جائز قال أحمد ولا تقبل دعواه للرجوع إلا ببينة لأنه مما يمكن إقامة البينة عليه فإن طلق الوكيل والزوج غائب كره للمرأة التزوج لأنه يحتمل أن الزوج رجع في الوكالة وقد نص أحمد على منعها من التزوج لهذا العلة وحمله القاضي على الاستحباب والاحتياط فان غاب الوكيل كره للزوج الوطء مخافة أن يكون الوكيل طلق ومنع منه أحمد أيضا لهذه العلة وحمله القاضي على الإستحباب لأن الأصل بقاء النكاح فحمل الأمر فيه على اليقين وقول أحمد رجوعه أن يشهد على أنه قد رجع فيما جعل إليه معناه انه لا يقبل قوله إنه قد رجع إليه إلا ببينة ولو صدقته المرأة في أنه قد رجع قبل وإن لم تكن له بينة