مسألة وفصول : حكم الطلاق غير الصريح .
فصل : فأما غير الصريح فلا يقع الطلاق به إلا بنية أو دلالة حال وقال مالك الكنايات الظاهرة كقوله أنت بائن وبتة وبتلة وحرام يقع بها الطلاق من غير تية قال القاضي في الشرح وهذا ظاهر كلام أحمد و الخرقي لأنها مستعملة في الطلاق في العرف فصارت كالصريح .
ولنا أن هذه كناية لم تعرف بإرادة الطلاق بها ولا اختصت به فلم يقع الطلاق بها بمجرد اللفظ كسائر الكنايات وإذا ثبت اعتبار النية فإنها تعتبر مقارنة للفظ فإن وجدت في ابتدائه وعريت عنه في سائره وقع الطلاق وقال بعض أصحاب الشافعي : لا يقع فلو قال : أنت بائن ينوي الطلاق وعريت نيته حين قال أنت بائن لا يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شيء .
ولنا أن ما ييعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلاة وسائر العبادات فأما ان تلفظ بالكناية غيرنا وثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق وكما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه .
مسألة : قال : ولو قيل له ألك امرأة ؟ فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شيء ولو قال قد طلقتها وأراد به الكذب لزمه الطلاق .
إنما لم يلزمه إذا أراد الكذب لأن قوله ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو أني كمن لا امرأة له أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري و مالك و حماد بن أبي سليمان و أبي حنيفة و الشافعي قال أبو يوسف و محمد لا تطلق فإن هذا ليس بكناية وإنما هو خبر هو كاذب فيه وليس بإيقاع .
ولنا أنه محتمل للطلاق لأنه إذا طلقها فليست له بامرأة فأشبه قوله أنت بائن وغيرها من الكنايات الظاهرة وهذا يبطل قولهم فأما إن قال لطلقتها وأراد الكذب طلقت لأن لفظ الطلاق صريح يقع به الطلاق من غير نية وإن قال لخليتها أو أبنتها افتقر إلى النية لأنه كناية لا يقع به الطلاق من غير نية .
فصل : فإن قيل له : أطلقت امرأتك ؟ فقال : نعم أو قيل له : امرأتك طالق ؟ فقال : نعم طلقت امرأته وإن لم ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختيار المزني لأن نعم صريح في الجواب والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ألا ترى أنه لو قيل لفلان عليك ألف ؟ فقال : نعم وجب عليه وإن قيل له طلقت امرأتك ؟ فقال : قد كان بعض ذلك وقال : أردت الإيقاع وقع وإن قال أردت أني علقت طلاقها بشرط قبل لأنه محتمل لما قاله وإن قال : أردت الإخبار عن شيء ماض أو قيل له : ألك امرأة ؟ فقال : قد طلقتها ثم قال : إنما أردت أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى فأما في الحكم فإن لم يكن ذلك وجد منه لم يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله وإن كان وجد فعلى وجهين .
فصل : فإن قال : حلفت بالطلاق أو قال : على يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقربه في الحكم ذكره القاضي و أبو الخطاب وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين وذلك لأن قوله له حلفت أليس بحلف وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذبا فيه لم يصر حالفا كما لو قال حلفت بالله وكان كاذبا واختار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكى في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه قال : إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحد وقال القاضي : معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه الطلاق إذا نوى به الطلاق فجعله كناية عنه ولذلك قال يرجع إلى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به شيء لأنه ليس بصريح الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يقع له طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في كتاب الايمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف فهل يقع به الطلاق ؟ على روايتين