مسألة وفصول : وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه .
مسألة : قال : وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه .
قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك ولأن ما يعتبر له القول يكتفي فيه به من غير نية إذا كان صريحا فيه كالبيع وسواء قصد المزح أو الجد لقول النبي A [ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح الطلاق والرجعة ] رواه أبوداود و الترمذي وقال حديث حسن قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود ونحوه عن عطاء و عبيدة وبه قال الشافعي و أبو عبيد وهو قول سفيان وأهل العراق فأما لفظ الفراق والسراح فينبني على الخلاف فيه فمن جعله صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يجعله صريحا لم يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزلة الكنايات الخفية .
فصل : فإن قال الأعجمي : لامرأته أنت طالق ولا يفهم معناه لم تطلق لأنه ليس بمختار للطلاق فلم يقع طلاقه كالمكره فإن نوى موجبه عند أهل العربية لم يقع أيضا لأنه لا يصح منه اختيار ما لا يعلمه ولذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر ويحتمل أن تطلق إذا نوى موجبها لأنه لفظ بالطلاق ناويا موجبة فأشبه العربي وكذلك الحكم إذا قال العربي { بهشتم } بي وهو لا يعلم معناها .
فصل : فإن قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق أو قال لحماته ابنتك طالق ولها بنت سوى امرأته أو كان اسم زوجته زينب فقال : زينب طالق طلقت زوجته لأنه لا يملك طلاق غيرها فإن قال أردت الأجنبية لم يصدق نص عليه أحمد في رجل تزوج امرأة قال لحماته ابنتك طالق وقال أردت ابنتك الأخرى التي ليست بزوجتي فقال يحنث ولا يقبل منه وقال في رواية أبي داود في رجل له امرأتان اسماهما فاطمة فماتت إحداهما فقال : فاطمة طالق ينوي الميتة فقال : الميتة تطلق ؟ قال أبو داود : كأنه لا يصدق في الحكم .
وقال القاضي : فيما إذا نضر إلى امرأته وأجنبية فقال : إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية فهل يقبل على روايتن وقال الشافعي يقبل ههنا ولا يقبل فيما إذا قال زينب طالق وقال : أردت أجنبية اسمها زينب لأن زينب لا يتنارل الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل أنه لا يطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلام يقبل خلافه فإما إذا قال إحداهما فإنه يتناول الأجنبية بصريحه وقال أصحاب الرأي و أبو ثور يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله .
ولنا أنه لايحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره بها كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله وكما لو قال : زينب طالق عند الشافعي وما ذكروه من الفرق لا يصح فإن احداكما ليس بصريح في واحدة منها إنما يتناول واحدة لا بعينها وزينب يتناول واحدة لا بعينها ثم تعينت الزوجة لكونها محل الطلاق وخطاب غيرها به عبث كما إذا قال : إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكنه صرفه عنها دليل فصار ظاهرا في غيرها ولما قال النبي A للمتلاعنين [ أحدكما كاذب ] لم ينصرف إلا إلى الكاذب منها وحدة ولما قال حسان يعني النبي A وأبا سفيان * فشركما لخيركما الفداء * لم ينصرف شرهما إلا إلى أبي سفيان وحده وخيرهما النبي A وحده وهذا في الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فيدين فيه فمتى علم من نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له وإن كان غير مقيد ولو كانت ثم قرينة دالة على إرادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه قبل قوله في الحكم لوجود الدليل الصارف إليها وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق وللفظ يحملها ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع به كما لو نواها .
فصل : فإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال : ياحفصة فأجابته عمرة فقال : أنت طالق فإن لم تكن له نية أو نوى المجيبة وحدها طلقت وحدها لأنها المطلقة دون غيرهما وإن قال ما خاطبت بقولي أنت طالق إلا حفصة وكانت حاضرة طلقت وحدها وإن قال : علمت أن المجيبة عمرة فخاطبتها بالطلاق وأردت طلاق حفصة طلقتا معا في قولهم جميعا وإن قال ظننت المجيبة حفصة فطلقتها طلقت حفصة رواية واحدة وفي عمرة روايتان : .
إحداهما : تطلق أيضا وهو قول النخعي و قتادة و الأوزاعي وأصحاب الرأي واختاره ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق وهي محل له فطلقت كما لو قصدها .
والثانية : لا تطلق وهو قول الحسن و الزهري و أبي عبيد قال أحمد : في رواية مهنا في رجل له امرأتان فقال فلانة أنت طالق فالتفت فإذا هي غير التي حلف عليها قال إبراهيم : يطلقان والحسن يقول تطلق التي نوى قيل له ما تقول أنت ؟ قال : تطلق التي نوى ووجه أنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول أنت طاهر فسبق لسانه فقال : أنت طالق وقال أبو بكر : لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق وقال الشافعي : تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم تعترف بطلاقها وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة عمرة فإن المنوية تطلق أرادتها الطلاق ولولا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب ولأن الغائبة مقصودة بلفظ الطلاق فطلقت ذ .
فصل : وإن أشار إلى عمرة فقال : يا حفصة أنت طالق وأراد طلاق عمرة فسبق لسانه إلى نداء حفصة طلقت عمرة وحدها لأنه لم يرد بلفظه إلا طلاقها وإنما سبق لسانه إلى غير ما أراده فأشبه ما لو أراد أن يقول أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق وإن أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة طلقتا معا عمرة بالإشارة إليها وإضافة الطلاق إليها حفصة بنيته وبلفظه بها وإن ظن أن المشار إليها حفصة طلقت حفصة وفي عمرة روايتان كالتي قبلها .
فصل : وإن لقي أجنبية ظنها زوجته فقال : فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته نص عليه أحمد وقال الشافعي : لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها أجنبية فقال : أنت طالق .
ولنا انه قصد زوجته بلفظ الطلاق فطلقت كما لو قال : علمت انها أجنبية وأردت طلاق زوجتي وإن قال لها أنت طالق ولم يذكر اسم زوجته احتمل ذلك أيضا لأنه قصد امرأته بلفظ الطلاق واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه وإن علمها أجنبية وأراد بالطلاق زوجته طلقت وإن لم يردها بالطلاق لم تطلق .
فصل : وإن لقي امرأة فظنها أجنبية فقال : أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقي أمته فظنها أجنبية فقال : أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقي امرأته فقال : تنحي يا مطلقة أو يا حرة وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته لا يقع بها طلاق ولا حرية لأنه لم يرد بها ذلك فلم يقع بهما شيء كسبق اللسان إلى ما لم يرده ويحتمل أن لا يعتق الأمة لأن العادة من الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة وتطلق الزوجة لعدم العادة بالمخاطبة بقوله يا مطلقة