فصول : حكم الألفاظ التي لا تشبه الطلاق ولا تدل على الفراق .
فصل : فأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق كقوله اقعدي وقومي / وكلي واشربي واقربي واطعميني وبارك الله عليك وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وبهذا قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا وقال بعضهم : هو كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق به كقولنا ذوقي وتجرعي .
ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } - وقال - { فكلوه هنيئا مريئا } فلم يكن كناية كقوله اطعميني وفارق ذوقي وتجرعي فإنه يستعمل في المكاره كقول الله تعالى { ذق إنك أنت العزيز الكريم } - { وذوقوا عذاب الحريق } - { ذوقوا مس سقر } وكذلك التجرع فال الله تعالى { يتجرعه ولا يكاد يسيغه } فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما .
فصل : فإن قال أنا منك طالق أو جعل أمر امرأته بيدها فقالت : أنت طالق لم تطلق زوجته نص عليه في رواية الاثرم وهو قول ابن عباس و الثوري و أبي عبيد وأصحاب الرأي و ابن المنذر وروي ذلك عن عثمان بن عفان Bه وقال مالك و الشافعي تطلق إذا نوى به الطلاق وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود و عطاء و النخعي و القاسم و إسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية .
ولنا أنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية فلم يقع وإن نوى كالأجنبي ولأنه لو قال : أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلا للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولأن الرجل كالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم يقع إزالة الملك بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس : خطا الله نواها أن الطلاق لك وليس لها عليك رواه أبو عبيد و الاثرم واحتج به أحمد .
فصل : وإن قال أنا منك بائن أو بريء فقد توقف أحمد قال أبو عبد الله بن حامد يتخرج على وجهين .
أحدهما : لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه فلم يقع بإضافة كنايته إليه كالأجنبي .
الثاني : يقع لأن لفض البينونة والبراءة يوصف بهما كل واحد من الزوجين يقال بان منها وبانت منه وبرىء منها وبرئت منه وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما قال الله تعالى { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } وقال تعالى { يفرقون به بين المرء وزوجه } ويقال فارقته المرأة وفارقها ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا .
وإن قال أنا بائن ولم يقل منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها أمرك بيدك فقالت أنت بائن ولم تقل مني أنه لا يقع وجها واحدا وإن قالت أنا بائن ونوت وقع وإن قالت أنت مني بائن فعلى الوجهين ههنا مثل ذلك