فصول : حكم وقوع النجاسة في الماء الجاري .
فصل : في الماء الجاري : نقل عن أحمد C ما يدل على الفرق بين الماء الجاري والراكد فانه قال في حوض الحمام قد قيل : إنه بمنزلة الماء الجاري وقال في البئر يكون لها مادة : هو واقف لا يجري ليس هو بمنزلة ما يجري فعلى هذا لا يتنجس الجاري إلا بتغيره لأن الأصل طهارته ولا نعلم في تنجيسه نصا ولا إجماعا فبقي على أصل الطهارة ولأنه يدخل في عموم قوله عليه السلام : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وقوله : [ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ] فان قيل : قد ورد الشرع بتنجيس قليله لقوله عليه السلام : [ إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ] قلنا : هذا حجة على طهارته لأن ماء الساقية بمجموعة قد بلغ القلتين فلا يحمل الخبث وتخصيص الجرية منه بهذا التقدير تحكم لا دليل عليه ثم الخبر إنما ورد في الماء الراكد ولا يصح قياس الجاري عليه لقوته بجريانه واتصاله بمادته ثم الخبر إنما يدل بمنطوقه على نفي النجاسة عما بلغ القلتين وإنما يستدل ها هنا بمفهومه وقضاء حق المفهوم يحصل بمخالفة ما دون القلتين لما بلغهما وقد حصلت المخالفة بكون ما دون القلتين يفترق فيه الماء الجاري والراكد في التنجيس وما بلغهما لا يختلف وهذا كاف وقال القاضي وأصحابه كل جرية من الماء الجاري معتبرة بنفسها فاذا كانت النجاسة جارية مع الماء فما أمامها طاهر لأنها لم تصل اليه وما خلفها طاهر لأنه لم يصل إليها والجرية التي فيها النجاسة إن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير بالنجاسة وان كانت دون القلتين فهي نجسة وان كانت النجاسة واقفة في جانب النهر أو قراره أو في وهدة منه فكل جرية تمر عليها ان كانت دون القلتين فهي نجسة وإن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير والجرية هي الماء الذي فيه النجاسة وما قرب منها ومن خلفها وأمامها - مما العادة انتشارها إليه إن كانت مما ينتشر - مع ما يحاذي ذلك كله مما بين طرفي النهر فان كانت النجاسة ممتدة فلكل جزء منها مثل تلك الجرية المعتبرة للنجاسة القليلة ولا يجعل جميع ما يحاذيها جرية واحدة لئلا يفضي الى تنجيس الماء الكثير بالنجاسة القليلة ونفي التنجيس عن الكثير مع وجود النجاسة الكثيرة فان المحاذي للكثيرة كثير فلا يتنجس والمحاذي للقليلة قليل يتنجس فاننا لو فرضنا كلبا في نهر وشعرة منه في الجانب الآخر لكان الخاذي للشعرة لا يبلغ قلتين لقلة ما يحاذيها والمحاذي للكلب يبلغ قلالا وقد ذكر القاضي و ابن عقيل ان الجرية المحاذية للنجاسة فيما بين طرفي النهر ويتعين حمله على ما ذكرنا لما بيناه .
فان قيل فهذا يفضي الى التسوية بين النجاسة الكثيرة والقليلة قلنا : الشرع سوى بينهما في الماء الراكد وهو أصل فتجب التسوية بينهما في الجاري الذي فرع .
فصل : فان كان في جانب النهر ماء واقف مائل عن سنن الماء متصل بالجاري أو كان في أرض النهر وهدة فيها ماء واقف وكان ذلك مع الجرية المقابلة له دون القلتين نجسا جميعا بوجود النجاسة في أحدهما لأنه ماء متصل دون القلتين فينجس بها جميعه كالراكد وإن كان أحدهما قلتين لم ينجس واحد منهما ما داما متلاقيين إلا بالتغير لأن القتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما لاقته ثم لا يخلو من كون النجاسة في النهر أوفي الواقف فان كانت في النهر وهو قلتان فهو طاهر على كل حال وكذلك الواقف وإن كان دون القلتين فهو نجس قبل ملاقاته للواقف فاذا حاذاه طهر باتصاله به فإذا فارقه عاد إلى التنجس لقلته مع وجود النجاسة فيه وان كانت النجاسة في الواقف لم ينجس بحال لأنه لا يزال هو وما لاقاه قلتين فان كان الواقف دون القلتين والجرية كذلك إلا أنهما بمجموعهما يزيدان عن القلتين وكانت النجاسة في الواقف لم ينجس واحد منهما لانها مع ما تلاقيه أكثر من قلتين وإن كانت في النهر فقياس قول أصحابنا : أن ينجس الواقف والجرية التي فيها النجاسة وكل ما يمر بعدها بالواقف لأن الجرية التي فيها النجاسة كانت نجسة قبل ملاقاة الواقف ثم تنجس بها الواقف لكونه ماء دون القلتين ورد عليه ماء نجس ولم تطهر الجرية لأنها بمنزلة ماء نجس صب على ما دون القلتين فلما صار الواقف نجسا نجس ما يمر عليه ويحتمل أن يحكم بطهارة الجرية حال ملاقاتها للواقف ولا يتنجس الواقف بها لأنه ماء كثير لم يتغير فلا ينجس لقول النبي A : [ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] وهذا مذهب الشافعي وهذا كله ما لم يتغير فان تغير فهو نجس وحكمه حكم أعيان النجاسة فاذا كان الواقف متغيرا وحده فالجرية التي تمر به إن كانت قلتين فهي طاهرة وإن كانت دون القلتين فهي نجسه وإن كانت الجرية متغيرة والواقف قلتان فهو طاهر وإلا فهو نجس وإن كان بعض الواقف متغيرا وبعضه غير متغير وكان غير المتغير مع الجرية الملاقية له قلتين لم ينجس لأنه ماء زائد عن القلتين لم يتغير فكان طاهرا كما لو كانت الجرية قلتين وان كان المتغير منه الواقف يلي الجاري وغير المتغير لا يليه ولا يتصل به من أعلى الماء ولا أسفله ولا من ناحية من نواحيه وأن اتصل به من ناحية فكل ما لم يتغير طاهر اذا بلغ القلتين لأ ه كالغديرين الذين بينهما ساقية وان شك في ذلك فالماء طاهر لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك والله أعلم .
فصل : اذا اجتمعت الجريات في موضع فان كان متغيرا بالنجاسة فهو نجس وان كثر وان كان في بعض الجريات ماء طاهر متوال يبلغ قلتين إما سابقا وإما لاحقا فالجميع طاهر ما لم يتغير لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما اجتمعت معه وإن كان المجتمع دون القلتين وفي بعض الجريات شيء نجس فالكل نجس في ظاهر المذهب وإن كان قلتين إلا أن الجريات كلها نجسة أو بعض الجريات طاهر وبعضها نجس ولا يتوالى من الطاهر قلتان فظاهر المذهب أن الجميع نجس وان كثر ويحتمل أن يكون طاهرا وهو مذهب الشافعي لقوله عليه السلام : [ اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ] ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو كان متغيرا فزال تغيره بمكثه .
ولنا : أنه انضم النجس إلى النجس فصار الجميع نجسا كغير الماء وان كان بعض الجريات طاهرا لكنه قليل فهو مما لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى فان كان الماء كثيرا متغير بالنجاسة فزال تغيره بنفسه طهر الجميع وإن زال بماء طاهر دون القلتين أو باجتماع ماء نجس إليه فظاهر المذهب أنه نجس لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فلا يدفعها عن غيره ويحتمل أن يطهر لأنه أزال علة التنجيس فأزال كما لو زال بنزح أو بمكثه