مسألة وفصلان : أحكام الشقاق بين الزوجين والقول في الحكمين .
مسألة : قال : والزوجان إذا وقعت بينهما العداوة وخشي عليهما أن يخرجهما ذلك إلى العصيان بعث الحاكم من أهله وحكما من أهلها مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا إذا رأيا أو يفرقا فما فعلا من ذلك لزمهما .
وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن بان له أنه من المرأة فهو نشوز قد مضى حكمه وإن بان أنه من الرجل أسكنهما إلى جانب ثقة يمنعه من الإضرار بها والتعدي عليها وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعد أو ادعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه اسكنهما إلى جانب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف فإن لم يتهيأ ذلك وتمادى الشر بينهما وخيف الشقاق عليهما والعصيان بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها فنظرا بينهما وفعلا ما يريان المصلحة فيه من جمع أو تفريق لقول الله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } .
واختلفت الرواية عن أحمد C في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه إنهما وكيلان لهما لا يملكان التفريق لهما إلا بإذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي وحكي ذلك عن الحسن و أبي حنيفة لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما والثانية : إنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما روي نحو ذلك عن عي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن و الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و مالك و الأوزاعي و إسحاق و ابن المنذر لقول الله تعالى : { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين ثم قال : { إن يريدا إصلاحا } فخاطب الحكمين بذلك .
وروى أبو بكر بإسناده عن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأة أتيا عليا مع كل واحد منهما فئام من الناس فقال علي Bه : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا حكمين ثم قال علي للحكمين : هل تدريان ما عليكما من الحق ؟ عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله علي ولي فقال الرجل : أما الفرقة فلا فقال علي : كذبت حتى ترضى بما رضيت به وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك ويروى أن عقيلا تزوج فاطمة بنت عتبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكما من أهله عبد الله بن عباس وحكما من أهلها معاوية فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما وقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف فلما بلغ الباب كانا قد غلقا الباب واصطلحا ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضي الدين عنه من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع إذا ثبت هذا فإن الحكمين لا يكونان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء قلناهما حاكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلا كما لو نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه مفتقر إلى الرأي والنظر قال القاضي : ويشترط كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة والأولى أن يقال إن كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وإن كانا حكمين اعتبرت الحرية لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبدا ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان في ذلك فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة فكان الأمر بذلك إرشادا واستحبابا فإن قلناهما وكيلان فلا يفعلان شيئا حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح وتأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا وإن قلنا إنهما حكمان فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ ذلك عليهما رضياه أو أبياه .
فصل : فإن غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث حكمين جاز للحكمين إمضاء رأيهما إن قلنا إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة وإن قلنا إنهما حاكمان لم يجز لهما إمضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم التوكيل لا بالحكم وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل وإن كان حاكما لم يجز له الحكم لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون .
فصل : فإن شرط الحكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشترطا ترك بعض النفقة والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضا الموكلين فبرضا الوكيلين أولى وإن أبرأ وكيل المرأة من الصداق او دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل لم تبرأ الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق