مسألة وفصلان : ظهور إمارات النشوز من المرأة والرجل وأحكامه .
مسألة : قال : وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها فإن أظهرت نشوزا هجرها فإن أردعها وإلا فله أن يضربها ضربا لا يكون مبرحا .
معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من طاعته فمتى ظهرت منها أمارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } فإن أظهرت النشوز وهي أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع لقول الله تعالى : { واهجروهن في المضاجع } قال ابن عباس : لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة أن النبي A قال : [ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ] وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح فظاهر هذا إباحة ضربها بأول مرة لقول الله تعالى : { واضربوهن } ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه وأما قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن } الآية ففيها إضمار تقديره : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره ول الشافعي قولان كهذين فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها لقوله تعالى : { واضربوهن } وقال النبي A : [ إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ] رواه مسلم معنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال : سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضربا غير مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف وقد روى أبو داود [ عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال : قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن يطعمها إذا طعمت ويكسوها إذا اكتست ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت ] وروى عبد الله بن زمعه عن النبي A قال : [ لا يجد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط ] لقول رسول الله A : [ لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ] متفق عليه .
فصل : وله تأديبها على ترك فرائض الله وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه قال على فرائض الله وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي Bه في تفسير قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } قال : علموهم أدبوهم وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر قال : قال رسول الله A : [ رحم الله عبدا علق في بيته سوطا يؤدب أهله ] فإن لم تصل فقد قال أحمد : أخشى أن لا يحل لرجل يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد : في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها لم ضربتها والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال : يا أشعث أحفظ عني شيئا سمعته من رسول الله A [ لا تسألن رجلا فيم ضرب إمرأته ] رواه أبو داود ولأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيا وإن أخبر بغير كذب .
فصل : وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لرغبته عنها إما لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا } روى البخاري عن عائشة ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا ) قالت : هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له : أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي .
و [ عن عائشة أن سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله A قالت : يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله A منها قالت في ذلك أنزل الله جل ثناؤه وفي أشباهها أراه قال : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } ] رواه أبو داود ومتى صالحته على ترك شيء من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك قال أحمد : في الرجل يغيب عن امرأته فيقول لها إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت