مسألة وفصول : تلبية الدعوة إلى الوليمة .
مسألة : قال : وعلى من دعي أن يجيب .
قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إذا لم يكن فيها لهو وبه يقول مالك و الشافعي و العنبري و أبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض الكفايات لأن الإجابة إكرام وموالاة فهي كرد السلام .
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله A قال [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ] وفي لفظ قال قال رسول الله A [ أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها ] وقال أبو هريرة : شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواهن البخاري وهذا عام ومعنى قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ولم يرد أن كل وليمة طعامها شر الطعام فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر بالإجابة إليها ولا فعلها ولأن الإجابة تجب بالدعوة فكل من دعي فقد وجبت عليه الإجابة .
فصل : وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بأن يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين فإن دعا الجفلى بأن يقول يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو من شئت فلم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء .
فصل : وإذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روى الخلال بإسناده عن أبي أنه أعرس ودعا الأنصار ثمانية أيام وإذا دعي في اليوم الأول وجبت الإجابة وفي اليوم الثاني تستحب الإجابة وفي اليوم الثالث لا تستحب قال أحمد الأول يجب والثاني إن أحب والثالث فلا وهكذا مذهب الشافعي وقد روي عن النبي A أنه قال : [ الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة ] رواه أبو داود و ابن ماجة وغيرهما وقاله سعيد بن المسيب أيضا ودعي سعيد إلى وليمة مرتين فأجاب فدعي الثالثة فحصب الرسول رواه أبو داود و الخلال .
فصل : والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والأكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال : [ إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له ] رواه أبو داود وقال عبد الله بن مسعود : إذا دعيت فقد أذن لك رواه الإمام أحمد بإسناده .
فصل : فإن دعاه ذمي فقال أصحابنا لا تجب إجابته لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة وتأكيد المودة والإخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة ولكن تجوز إجابتهم لما روى أنس أن يهوديا دعا النبي A إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه ذكره الإمام أحمد في الزهد .
فصل : فإن دعاه رجلان ولم يمكن الجمع بينهما وسبق أحدهما أجاب السابق لأن إجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول فإن استويا أجاب أقربهما منه بابا لما روى أبو داود بإسناده عن النبي A قال : [ إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق ] وروى البخاري بإسناده [ عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال : أقربهما منك بابا ] ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحما لما فيه من صلة الرحم فإن استويا أجاب أدينهما فإن استويا اقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق