مسألتان وفصول : وجوب المهر بالخلوة وبالاستمتاع دون خلوة .
مسألة : قال : وإذا خلا بها بعد العقد فقال : لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان .
وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وإن لم يطأ روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال علي بن السحين و عروة و عطاء و الزهري و الأوزاعي و إسحاق وأصحاب الرأي وهو قديم قولي الشافعي وقال شريح و الشعبي و طاوس و عطاء و ابن سيرين و الشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطء وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وروي نحو ذلك عن أحمد روى عنه يعقوب بن بختان أنه قال إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وهذا قد طلقها قبل أن يمسها وقال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } والإفضاء الجماع ولأنها مطلقة لم تمس أشبهت من لم يخل بها .
ولنا إجماع الصحابة Bهم روى الإمام أحمد و الأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه أيضا عن الأحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت عليها العدة ولها الصداق كاملا وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعا وما رووه عن ابن عباس لا يصح قال أحمد يرويه ليث وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث و حنظلة أقوى من ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو باعتها وسلمتها .
وأما قوله تعالى : { من قبل أن تمسوهن } فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه وأما قوله : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } فقد حكي عن الفراء أنه قال : الإفضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل وهذا صحيح فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي فكأنه قال وقد خلا بعضكم إلى بعض وقول الخرقي حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما يعني في حكم ما لو وطئها من تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها وقال الثوري و أبو حنيفة لا رجعة له عليها إذا أقر أنه لم يصبها .
ولنا قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها ولا كمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة ولا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي A لامرأة رفاعة القرشي أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ إلا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ولا الاحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات ولا الغسل لأن موجبات الغسل خمسة وليس هذا منها ولا يخرج به من العنة لأن العنة العجز عن الوطء فلا يزول إلا بحقيقة الوطء ولا تحصل به الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه وإنما حلف على ترك الوطء ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بنفس الوطء ولا تفسد به العبادات ولا تجب به الكفارة .
وأما تحريم الريبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة وقال القاضي و ابن عقيل لا تحرم وحمل القاضي كلام أحمد على أنه حصل مع الخلوة نظرا أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين في أن ذلك يحرم والصحيح أنه لا يحرم لقول الله تعالى : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } والدخول كناية عن الوطء والنص صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه .
مسألة : قال : وسواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان من هذه الأشياء .
اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا خلا بها وبهما أو بأحدهما مانع من الوطء كالإحرام والصيام والحيض والنفاس أو مانع حقيقي كالجب والعنة أو الرتق في المرأة فعنه أن الصداق يستقر بكل حال وبه قال عطاء و ابن أبي ليلى و الثوري لعموم ما ذكرناه من الإجماع وقال عمر : في العنين يؤجل سنة فإن هو غشيها وإلا أخذت الصداق كاملا وفرق بينهما وعليها العدة ولأن التسليم المستحق عليها قد وجد وإنما الحيض والإحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في إسقاط النفقة وروي أنه لا يكمل به الصداق وهو وقل شريح و أبي ثور لأنه لا يتمكن من تسلمها فلم تستحق عليه مهرا بمنعها كما لو منعت تسليم نفسها إليه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة وعن أحمد رواية ثالثة إن كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق فإن كان غيره كمل قال أبو داود : وسمعت أحمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر قال : وجب الصداق قل ل أحمد فشهر رمضان ؟ قال شهر رمضان خلاف لهذا قيل له فكان مسافرا في رمضان قال هذا مفطر يعني وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكدا كالإحرام وصوم رمضان لم يكمل الصداق .
وقال القاضي : إن كان المانع لا يمنع دواعي الوطء كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس وجب الصداق وإن كان يمنع دواعيه كالإحرام وصيام الفرض فعلى روايتين وقال أبو حنيفة : إن كان المانع من جهتها لم يستقر الصداق وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق وإن كان جبا أو عنة كمل الصداق لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها كما يلزم الصغير نفقة امرأته إذا سلمت نفسها إليه .
فصل : وإن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فأدخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ إلى أنها إذا نشزت عليه أو منعته نفسها لا يكمل صداقها وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد التمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها وكذلك إن خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطء لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغير في عدم التمكن من الوطء .
فصل : والخلوة في النكاح الفاسد لا يجب بها شيء من المهر لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما يوجبه الوطء ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فأشبه ذلك الخلوة بالأجنبية وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الخلوة فيه كالخلوة في الصحيح لأن الابتداء بالخلوة فيه كالابتداء بذلك في النكاح الصحيح فيتقرر به المهر كالصحيح والأولى أولى .
فصل : فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالمنصوص عن أحمد أنه يكمل به الصداق فإنه قال إذا أخذها فمسها وقبض عليها من غير أن يخلو بها الصداق كاملا إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره وقال في رواية مهنا : إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر ورواه عن إبراهيم : إذا اطلع منها على ما يحرم على غيرها فعليه المهر لأنه نوع استمتاع فهو كالقبلة .
قال القاضي : يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان فيكون في تكميل الصداق به وجهان أحدهما : يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله A : [ من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل ] ولأنه مسيس فيدخل في قوله تعالى : { من قبل أن تمسوهن } ولأنه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق كالوطء .
والوجه الآخر : لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر الفقهاء لأن قوله تعالى : { تمسوهن } إنما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضىقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } إن لا يكمل الصداق لغير من وطئها ولا تجب عليها العدة ترك عمومه فيمن خلا بها للإجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم