مسألتان وفصول : الاختلاف في الصداق في المقدار وفي العين المجعولة والإنكار .
مسألة : قال : وإذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ولا بينة على مبلغه فالقول قولها ما ادعت مهر مثلها .
وجملة ذلك أن الزوجين إذا اختلفا في قدر المهر ولا بينة على مبلغه فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل فالقول قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وعن الحسن و النخعي و حماد بن أبي سليمان و أبي عبيد نحوه وعن أحمد رواية أخرى أن القول قول الزوج بكل حال وهذا قول الشعبي و ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و أبي ثور وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكرا وهو أن يدعي مهرا لا يتزوج بمثله في العادة لأنه منكر للزيادة ومدعي عليه فيدخل تحت قوله عليه السلام : [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] وقال الشافعي : يتحالفان فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله وإن حلفا وجب مهر المثل وبه قال الثوري : لأنهما اختلفا في العوض المستحق في العقد ولا بينة فيتحالفا قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك : إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح وإن كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في البيع فإنه يفرق في التحالف بين ما قبل القبض وبعده ولأنها إذا أسلمت نفسها بغر إشهاد فقد رضيت بأمانته .
ولنا أن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياسا على المنكر في سائر الدعاوى وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد ولأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد ولأن القول بالتحالف يفضي إلى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقولها به فإنها إذا كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال بل هو خمسون لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة ولو ادعت مائتين وقال بل هو مائة وخمسون ومهر مثلها فأوجب مائة لأسقط خمسون يتفقان على وجوبها ولأن مهر المثل إن لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز إيجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد وإن وافق قول أحدهما فلا حاجة في إيجابه إلى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في إيجابه وفارق البيع فإنه ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما في ماله وما أدعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم تجعله أمينها ولو كان أمينا لها لوجب أن تكون أمينة له حين لم يشهد عليها على أنها لا يلزم من الاختلاف عدم الإشهاد فقد تكون بينهما بينة فتموت أو تغيب أو تنسى الشهاد إذا ثبت هذا فكل من قلنا القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف في ما يجوز بذله فتشرع فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال وحكي عن القاضي أن اليمين لا تشرع في الأحوال كلها لأنها دعوى في النكاح .
فصل : فإن أدعى أقل من مهر المثل وادعت هي أكثر منه رد إلى مهر المثل ولم يذكر أصحابنا يمينا والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما محتمل للصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين من صاحبه كالمنكر في سائر الدعاوى ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا قول أبي حنيفة والباقون على أصولهم .
فصل : فإن قال : تزوجتك على هذا العبد فقالت : بل على هذه الأمة وكانت قيمة العبد مهر المثل أو أكثر وقيمة الأمة فوق ذلك حلف الزوج ووجبت لها قيمة العبد لأن قوله يوافق الظاهر ولا تجب عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ينكره وإن كان قيمة الأمة مهر المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : تجب عين الأمة لأننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين وليس في ذلك إدخال ما ينكره في ملكها .
والثاني : تجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا لها ما وافقت الظاهر فيه وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والأمة أكثر منه وجبت مهر المثل إذا تخالفا وظاهر قول القاضي أن اليمين لا يشرع في هذا كله .
مسألة : قال : وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضا قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر مثلها إلا أن يأتي ببينة تبرئه منه .
وجملة ذلك أن الزوج إذا أنكر صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفي أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئا وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده وبه قال سعيد بن جبير و الشعبي و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن فقهاء المدينة السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الدخول فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع الصداق وبه قال مالك قال أصحابه إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة إلا بقبضه فكان الظاهر معه .
ولنا [ أن النبي A قال : اليمين على المدعى عليه ] ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول .
فصل : فإن دفع إليها ألفا ثم اختلفا فقال دفعتها إليك صداقا وقالت بل هبة فإن كان اختلافهما في نيته كأن قالت قصدت الهبة وقال قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج لا يمين لأنه أعلم بما نواه ولا تطع المرأة على نيته وإن اختلفا في لفظه فقالت قد قلت خذي هذا هبة أو هدية فأنكر ذلك فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي عليه عقدا على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن إن كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عوضا ثم اختلفا وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها .
قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في رجل تزوج امرأة على صداق ألف فبعث إليها بقيمته متاعا وثيابا ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل سألته الصداق فقال لها : قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة : صداقي دراهم ترد الثياب والمتاع وترجع عليه بصداقها فهذه الرواية إذا لم تخبرهم أنه صداق فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت هي أنه قال : هو هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان بما كل واحد منهما وحكي عن مالك أنه قال : إن كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول قولها لأن الظاهر معها وإلا فالقول قوله .
ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه إلى يدها فكان القول قول المالك كما لو قال أودعتك هذه العين قال بل وهبتها