مسألة وفصل : ينصف المهر بالطلاق قبل الدخول وحكم المخالفة بعد الدخول .
مسألة : قال : وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر ثم طلقها قبل الدخول فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد أو تدفع إليه نصفه زائدا إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد إلا أن يشاء أخذ ما بذلته من نصفه .
في هذه المسألة أحكام منها : أن المرأة تملك الصداق بالعقد وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وروي عن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه وقول النبي A : [ إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك ] دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شيء ولأنه عقد تملك به العوض بالعقد فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو أرتدت سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه إذا ثبت هذا فإن نماءه وزيادته لها سواء قبضته أو لم تقبضه متصلا كان أو منفصلا وإن كان مالا زكاتيا حال عليه الحول فزكاته عليها نص عليه أحمد وإن نقص بعد قبضها له أو تلف فهو من ضمانها ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها وأما قبل القبض فهو من ضمان الزوج إن كان مكيلا أو موزونا وأما غيرهما فإن منعها منه ولم يمكنها من قبضه فهو من ضمانه لأنه بمنزلة الغاصب وإن لم يحل بينه وبينها فهل يكون من ضمانها أو من ضمانه ؟ على وجهين بناء على المبيع وقد ذكرنا حكمه في بابه الحكم الثاني أن الصداق ينتصف بالطلاق قبل الدخول لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وليس في هذا إختلاف بحمد الله وقياس المذهب أن نصف الصداق يدخل في ملك الزوج حكماص كالميراث لا يفتقر إلى اختياره وإرادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا آخر أنه لا يدخل في ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول ابي حنيفة ول الشافعي قولان كالوجهين .
ولنا قوله تعالى : { فنصف ما فرضتم } أي لكم أو لهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له بمجرد الطلاق ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره كالإرث ولأنه سبب لنقل الملك فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك فيها الأخذ بها ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير إرادته وأختياره وقبل الأخذ ما وجد السبب وإنما استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض إلى اختياره فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للآخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك حكم لهما وثبوت أحكام الأسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا إرادته فإن نقص الصداق في يد المرأة بعد الطلاق فإن كان قد طالبها فمنعته فعليها الضمان لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة إن اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة وإن ادعى أن التلف أو النقص كان قبل الطلاق وقالت بعده فالقول أيضا قولها لأنه يدعي ما يوجب الضمان عليها وهي تنكره والقول قول المنكر وظاهر قول أصحاب الشافعي أن علي المرأة الضمان لما تلف أو نقص في يدها بعد الطلاق لأنه حصل في يدها قطع العقد فأشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ .
ولنا : ما ذكرناه وأما المبيع فيحتمل أن يمنع وإن سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما أو من المشتري فقد حصل منه التسبب إلى جعل ملك غيره في يده وفي مسألتنا ليس من المرأة فعل وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير أمرها .
فصل : ولو خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني نصف الصداق أو المسمى فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لها جميعه لأن حكم الوطء موجود فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه .
ولنا قول الله سبحانه : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ولأنه طلاق من نكاح لم يمسها فيه فوجب أن ينتصف به المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما ذكره غير صحيح فإن لحوق النسب لا يقف على الوطء عنده ولا يقوم مقامه فأما إن كان لم يدخل بها في النكاح الأول أيضا فعليه نصف الصداق الأول ونصف الصداق الثاني بغير خلاف .
الحكم الثالث : أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كعبد يكبر أو يتعلم صناعة أو يسمن أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فإن كانت متميزة أخذت الزيادة ورجع بنصف الأصل وإن كانت غير متميزة فالخيرة إليها إن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم العقد لأن الزيادة لها لا يلزمها بدلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وإن شاءت دفعت إليه نصفا زائدا فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز فإن كان محجورا عليها لم يكن لها الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشيء ولا يجب عليها وإن نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها ولا يخلو أيضا من أن يكون النقص متميزا أو غير متميز فإن كان متميزا كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف أو مثل نصف التالف إن كان ذوات الأمثال وإن لم يكن متميزا كعبد كان أو شابا فصار شيخا فنقصت قيمته أو نسي ما كان يحسن من صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار إلى الزوج إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وإن شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ حقه ناقصا وإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا لم يكن له هذا في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء وقال القاضي : القياس أن له ذلك كالمبيع بملكه ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قاله أبو حنيفة و الشافعي وقال محمد بن الحسن : الزيادة غير المتميزة تابعة للعين فله الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق .
ولنا : أنها زيادة حدثت في ملكها فلم تنصف بالطلاق كالمتميزة وأما زيادة السوق فليست ملكه وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو حادث بعدها ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سمينا فلم يكن له أخذه والمبيع تعلق حقه بعينه فتبعه ثمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل أن يتعلم صنعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الإمتناع من العين والرجوع إلى القيمة فإن اتفقا على نصف العين جاز وإن امتنعت المرأة من بذلك نصفها فلها ذلك لأجل الزيادة وإن امتنع هو من الرجوع في نصفها فله ذلك لأجل النقص وإذا امتنع احدهما رجع في نصف قيمتها