فصول : ما يجوز أن يكون مهرا وما تستحقه الزوجة إن لم يتم تسمية المهر .
فصل : وكل ما جاز ثمنا في البيع أو أجرة في الإجارة من العين والدين والحال والمؤجل والقليل والكثير ومنافع الحر والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقا وقد روي الدارقطني بإسناده قال : قال رسول الله A [ أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق - قيل : ما العلائق يا رسول الله ؟ قال : ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيبا من أراك ] ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : منافع الحر لا تكون صداقا لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } .
ولنا قول الله تعالى : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } والحديث ألذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجازة فجازت صداقا كمنفعة العبد وقولهم ليست مالا ممنوع فإنها المعاوضة عنها وبها ثم أن تكون مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا فكذلك في النكاح وقد نقل مهنا عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا قيل له : فامرأة لها ضياع وأرضون لا تقدر على أن تعمرها قال : لا يصلح هذا قال أبو بكر : إن كانت الخدمة معلومة جاز وإن كانت مجهولة لا تضبط فلها صداق مثلها كأنه تأول مسألة منها على أن الخدمة مجهولة فلذلك لم يصح ونقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب وعمل شيء جائز لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه فجاز أن يكون صداقا كالأعيان ولو تزوجها على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معين صح لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجرة عنه وإن أصدقها الإتيان به أين كان لم يصح لأنه مجهول .
فصل : ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبهذا قال الشافعي وقال النخعي و مالك و الثوري و الأوزاعي وأصحاب الرأي و أبو عبيد : يصح .
ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلم يصح كما لو أصدقها شيئا فعلى هذا لها مهر المثل وكذلك كل موضع قلنا لا تصح التسمية .
فصل : وإن أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولا يجب مهر المثل لأن تعذر تسليم ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجر مثل خياطته لأن العقود على العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو أصدقها تعليم عبدها صناعة فمات قبل التعليم وإن عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته قبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه وإن لم يكن فعليه نصف أجر خياطته إلا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قدر خاط النصف يقينا وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره .
فصل : وإن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لأنه منفعة معلومة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها وإن أصدقها تعليمه أو تعليمها شعرا مباحا معينا أو فقها أو أخذ الأجرة عليه فجاز صداقا كمنافع الدار .
فصل : فأما تعليم القرآن فاختلفت الرواية عن أحمد في جعله صداقا فقال في موضع أكرهه وقال في موضع لا بأس أن يتزوج المرأة على أن يعلمها سورة القرآن أو على نعلين وهذا مذهب الشافعي قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال : واختياري أنه لا يجوز وهو مذهب مالك و الليث و أبي حنيفة و مكحول و إسحاق واحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي [ أن رسول الله A جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال : هل عندك من شيء تصدقها ؟ فقال ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله A : إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا - قال : لا أحد قال - التمس شيئا ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله A : زوجتكما بما معك من القرآن ] متفق عليه ولأنها منفعة معينة مباحة فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح .
ووجد الرواية الأخرى أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لقوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } وقوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } والطول المال وقد [ روي أن رسول الله A زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال : لا تكون لأحد بعدك مهرا ] رواه النجاد بإسناده ولأن تعليم القرآن لا يجوز أن يقع إلا قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقا كالصوم والصلاة وتعليم الإيمان ولأن التعليم من المعلم والمتعلم مختلف ولا يكاد ينضبط فأشبه الشيء المجهول فأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجكها لأنك من أهل القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه فروى ابن عبد البر بإسناده عن أنس أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم فقالت : أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان ؟ إن أسلمت تزوجت بك قال : فأسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصا لذلك الرجل بدليل ما رواه النجاد ولا تفريع على هذه الرواية فأما على الأخرى فلا بد من تعيين ما يعلمها إياه إما سورة معينة أو سورا أو آيات بعينها لأن السور تختلف وكذلك الآيات وهل تحتاج إلى تعيين قراءة مرتبة فيه وجهان أحدهما : يحتاج إلى ذلك لأن الأغراض تختلف والقراءات تختلف فمنها صعب كقراءة حمزة وسهل فأشبه تعيين الآيات .
والثاني : لا يفتقر إلى التعيين لأن هذا اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم مقامه ولذلك لم يعين النبي A للمرأة قراءة وقد كانوا يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبرة ول الشافعي في هذا وجهان كهذين