مسألة وفصول : حكم ما لو أسلم الكافر ومعه أكثر من أربع نسوة .
مسألة : قال : ولو نكح أكثر من أربع في عقد واحد أو في عقود متفرقة ثم أصابهن ثم أسلم ثم أسلمت كل واحدة منهن في عدتها اختار أربعا منهن وفارق ما سواهن سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن .
وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك إمساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك اختار أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجن في عقد أو في عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر نص عليه أحمد و به قال الحسن و مالك و الليث و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة و أبو يوسف إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وإن كان في عقود فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه من طريق الجمع فلا يكون فيه مخيرا بعد الإسلام كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا .
ولنا ما [ روى قيس بن الحارث قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى ا لله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال : اختر منهن أربعا ] رواه أحمد و أبو داود وروى محمد بن سويد الثقفي [ أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمر رسول الله A أن يتخير منهن أربعا ] رواه الترمذي ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلا ورواه الشافعي في مسنده عن ابن علية عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه إلا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري كذلك قال الحفاظ الإمام أحمد و الترمذي وغيرهما ولأن كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال الشرك كما لو تزوجهن بغير شهود وأما إذا تزوجت بزوجين فنكاح الثاني باطل لأنها ملكته ملك غيرها وإن جمعت بينهما لم يصح لأنها لم تملكه جميع بضعها ولأن ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل الأديان ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل .
فصل : ويجب عليه أن يختار أربعا فيما دون ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لأن النبي A أمر غيلان وقيسا بالإختيار وأمره يقتضي الوجوب ولأن المسلم لا يجوز إقراره على نكاح أكثر من أربع فإن أبى أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يحتار لأن هذا حق عليه يمكنه إيفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولي إذا امتنع من الطلاق لأن الحق ههنا لغير معين وإنما تتعين الزوجات بإختياره وشهوته وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه بخلاف المولي فإن الحق لمعين يمكن الحاكم إيفاؤه والنيابة عن المستحق فيه فإن جن خلي حتى يعود عقله ثم يجبر على الإختيار وعليه نفقة الجميع إلى أن يختار لأنهن محبوسات عليه ولأنهن في حكم الزوجات أيتهن اختار جاز .
فصل : ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم أسلموا جميعا لم يكن له الإختيار قبل بلوغه فإنه لا حكم لقوله وليس لأبيه الإختيار عنه لأن ذلك حق يتعلق بالشهرة فلا يقوم غيره مقامه فيه فإذا بلغ الصبي كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار .
فصل : فإن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه لما ذكرنا في الحاكم وعلى جميعهن العدة لأن الزوجات لم يتعين منهن فمن كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها أربعة أشهر وعشر لأنها أطول العدتين في حقها وإن كانت من ذوات القروء فعدتها أطول الأجلين من ثلاثة قروء أو أربعة أشهر وعشر لتقتضي العدة بيقين لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاء وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأوجبنا أطولهما لتنقضي العدة بيقين كما قلنا فيمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها عليه خمس صلوات وهذا مذهب الشافعي فأما الميراث فإن اصطلحن عليه فهو جائز كيفما اصطلحن لأن الحق لهن لا يخرج عنهن وإن أبين الصلح فقياس المذهب أن يقرع بينهن فتكون الأربع منهن بالقرعة وعند الشافعي يوقف الميراث حتى يصطلحن وأصل هذا يذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى .
فصل : وصفة الإختيار أن يقول اخترت نكاح هؤلاء أو اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت حبسهن أو إمساكهن أو نكاحهن أو أمسكت نكاحهن أو ثبت نكاحهن أو أثبتهن وإن قال لما زاد على الأربع فسخت نكاحهن كان اختياراأ للأربع وإن طلق إحداهن كان إختيارا لها لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة وإن قال قد فارقت هؤلاء أو اختر فراق هؤلاء فإن لم ينو الطلاق كان إختيارا لغيرهن ل [ قول النبي A لغيلان : اختر منهن أربعا وفارق سائرهن ] وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا فيه كما كان لفظ الطلاق صريحا فيه وكذا في حديث فيروز الديلمي قال فعمدت إلى أقدمهن صحبة ففارقتها وهذا الموضع أخص بهذا اللفظ فيجب أن يتخصص فيه بالفسخ وإن نوى به الطلاق كان إختيارا لهن دون غيرهن وذكر القاضي فيه عند الإطلاق وجهين .
أحدهما : أنه يكون إختيارا للمفارقات لأن لفظ الفراق صريح في الطلاق والأولى ما ذكرناه وإن وطىء إحداهن كان إختيارا لها في قياس المذهب لأنه لا يجوز إلا في ملك فيدل على الإختيار كوطء الجارية المبيعة بشرط الخيار ووطء الرجعية أيضا اختيار لها وإن آلى من واحدة منهن أو ظاهر منها لم يكن اختيارا لها لأنه يصح في غير زوجة في أحد الوجهين وفي الآخر يكون اختيارا لها لأن حكمه لا يثبت في غير زوجة وإن قذفها لم يكن اختيارا لها لأنه يقع في غير زوجة .
فصل : وإذا اختار منهن أربعا وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار لأنهن بن منه بالإختيار ويحتمل أن تكون عدتهن من حين أسلم لأنهن بن بإسلامه وإنما يتبين ذلك بإختياره فيثبت حكمه من حين الإسلام كما إذا أسلم أحد الزوجين ولم يسلم الآخر حتى انقضت عدتها وفرقهن فسخ لأنها تثبت بإسلامه من غير لفظ منهن وعدتهن كعدة المطلقات لأن عدة من انفسخ نكاحها كذلك وإن ماتت إحدى المختارات أو بانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح من المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث لأنه لم يطلقها قبل ذلك وإن اختار أقل من أربع أو اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو تمام أربع لأن الأربع الزوجات لا بين منه إلا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع طلاقه بهن وانفسخ نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق وعدة الباقيات على الوجهين وإن طلق الجميع أقرع بينهن فإذا وقعت القرعة على أربع منهن كن المختارات ووقع طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي فإن كان الطلاق ثلاثا فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات لأنهن لم يطلقن منه ولا تحل له المطلقات إلا بعد زوج وإصابة ولو أسلم ثم طلق الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن لأنهن زوجات ويعتددون من حين طلاقه وبان البواقي بإختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه ولا نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات لأن هؤلاء غير مطلقات والفرق بين هذه وبين التي قبلها ان طلقها قبل إسلامهن في زمن ليس له الإختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الإختيار حينئذ وفي التي قبلها يطلقن وله الإختيار والطلاق يصلح اختيارا وقد أوقعه في الجميع وليس بعضهن أولى من بعض فصرنا إلى القرعة لتساوي الحقوق .
فصل : وإذا أسلم قبلهن وقلنا بتعجيل الفرقة بإختلاف الدين فلا كلام وإن قلنا يقف على انقضاء العدة ولم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبينا أنهن بن منذ اختلف الدينان فإن كان قد طلقهن قبل انقضاء عدتهن تبينا أن طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا أسلمن وإن كان وطئهن تبينا أنه وطىء غير نسائه وإن لاعنهن أو طاهر أو قذف تبينا أن ذلك كان في غير زوجته وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا أنها زوجته فوقع الطلاق بها وكان وطؤه لها وطأ لمطلقته وإن طلق الجميع فأسلم أربع نسوة منهن أو أقل في عدتهن ولم تسلم البواقي تعينت الزوجية في ا لمسلمات ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم البواقي فله أن يتزوج بهن لأنه لم يقع طلاقه بهن .
فصل : وإذا أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف إلى أن يسلم البواقي فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لأن الاختيار ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فيهن والاعتبار في الإختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء وإن أسلمت واحدة منهن فقال اخترتها جاز فإذا اختار أربعا على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وإن قال للمسلمة اخترت فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ إنما يكون فيم زاد على الأربع والاختيار للأربع وهذه من جملة الأربع إلا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لأنه كناية ويكون طلاقه لها اختيارا لها وإن قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح لأنه ليس بوقت للاختيار لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح إمساكها وإن فسخ نكاحها لم ينفسخ لأنه لما لم يجز الاختيار لم يجز الفسخ وإن نوى بالفسخ الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فإن أسلمت ولم يسلم زيادة على أربع أو أسلم زيادة فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها وإلا فلا .
فصل : وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم تصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على شرط ولا يصح في غير معنى وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضا لأن الفسخ لا يتعلق بالشرط ولا يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الأربع وإن أراد به الطلاق فهو كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان أحدهما : يصح لأن الطلاق يصح تعليقه بالشرط ويتضمن الاختيار لها فكلما أسلمت واحدة كان اختيارا لها وتطلق بطلاقه والثاني : لا يصح لأن الطلاق يتضمن الاختيار والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط .
فصل : وإذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة النكاح وتعيين المنكوحة فليس ابتداء له وقال القاضي ليس له الاختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي .
ولنا أنه استدامه نكاح لا يشترط له رضاء المرأة ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد به مهر فجاز له في الإحرام كالرجعية .
فصل : وإذا أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعا فيكون له ميراثهن ولا يرث الباقيات لأنهن ليس بزوجات له وإن مات بعضهن فله الاختيار من الأحياء وله الإختيار من الميتات وكذلك لو أسلم بعضهن فمتن ثم أسلم البواقي فله الإختيار من الجميع فإن اختار الميتات فله ميراثهن لأنهن متن وهن نساؤه وإن اختار غيرهن فلا ميراث له منهن لأنهن أجنبيات وإن لم يسلم البواقي لزم النكاح في المتيات وله ميراثهن وإن وطىء الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا منهن فليس لهن إلا المسمى لأنهن زوجات ولسائرهن المسمى بالعقد الأول ومهر المثل للوطء الثاني لأنهن أجنبيات وإن وطئهن بعد إسلامهن فالموطوءات أولاهن المختارات والبواقي أجنبيات والحكم في المهر على ما ذكرناه