مسألة و فصول : في تسري العبد بإذن سيده وفي أن المكاتب كالعبد القن .
مسألة : قال : وله أن يتسرى بإذن سيده .
هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس و الشعبي و النخعي و الزهري و مالك و الأوزاعي و الثوري و أبي ثور وكره ذلك ابن سيرين و حماد بن أبي سليمان و الثوري وأصحاب الرأي ولـ الشافعي قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده أو لا ؟ قال القاضي أبو يعلي يجب أن يكون في مذهب احمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك له بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بأن العبد لا يملك المال ولا يجوز الوطء إلا في نكاح أو ملك يمين لقول الله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } .
ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا وروي الأثرم باسناده عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يتسرى العبد ونحوه عن ابن عباس ولأن العبد يملك في النكاح فملك التسري كالحر وقولهم إن العبد لا يملك المال ممنوع ف [ إن النبي A قال : من اشترى عبدا وله مال ] فجعل المال له ولأنه آدمي فملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك إذ كان الله تعالى خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكاليف وأداء العبادات قال الله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } والعبد داخل في العموم ومن أهل التكليف والعبادات فيكون أهلا للملك ولذلك ملك في النكاح وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآله إلى الآدمية فالعبد الذي هو آدمي مكلف أولى .
إذا ثبت هذا فلا يجوز له التسري إلا باذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يبح له وطؤها حتى يأذن له فيه لأن ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ عقد فلم يكن له التصرف فيه إلا بإذن سيده فإن أذن له فقال تسر بها أو أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه أبيح له وما ولد له من التسري فحكمه حكم ملكه لأن الجارية مملوكة له فكذلك ولدها وإن تسرى بغير اذن سيده فالولد ملك سيده .
فصل : وله التسري بما شاء إذا أذن له السيد في ذلك نص عليه أحمد لأن من جاز له التسري جاز من غير حصر كالحر فإن أذن له وأطلق التسري تسرة بواحدة وكذلك إذا إذن له في التزويج لم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال أصحاب الرأي و أبو ثور وإذا أذن له في التزويج فعقد على اثنتين في عقد جاز ولنا أن الاذن المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم يقينا وما زاد مشكوك فيه فيبقى على الأصل كما لو أذن له في طلاق امرأته لم يكن له أن يطلق أكثر من واحدة ولأن الزائد على الواحدة يحتمل أن يكون غير مراد فيبقى على أصل التحريم كما لو شك هل أذن له أو لا ؟ .
فصل : والمكاتب كالعبد القن لا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده لأن في ذلك إتلافا للمال الذي في يديه وقد [ قال عليه السلام : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وأما المعتق يعضه فإذا ملك بجزئه الحر جارية فملكه تام وله الوطء بغير اذن سيده لقوله سبحانه : { أو ما ملكت أيمانكم } ولأن ملكه عليها تام له التصرف فيها بما شاء بغير اذن سيده فكذلك الوطء وما فيه من الرق لا يمنعه من استيفاء ما يملكه كما له أن يتصرف ويأكل ما ملكه بنصفه الحر وقال القاضي حكمه حكم القن وهو منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه كقولنا واحتج من منع ذلك بأنه لا يمكنه الوطء بنصفه الحر وحده وكذلك منعناه التزويج حتى يأذن له سيده .
ولنا أنه لا حق لسيده فيها ولا يلحقه ضرر باستمتاعه منها فلم يعتبر اذنه فيها كاستخدامها وأما التزويج فانه يلزمه به حقوق تتعلق بجملته فاعتبر رضا سيده ليكون راضيا بتعلق الحق بملكه بخلاف مسألتنا فان الحق له لا عليه فأما إن أذن له سيده فيه جاز إلا عند من منع العبد التسري لأنه كالقن في قولهم .
فصل : نقل محمد بن ماهان عن أحمد لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أذن له سيده فإن رجع السيد فليس له أن يرجع إذا أذن له مرة وتسرى وكذلك نقل عنه إبراهيم بن هانىء ويعقوب بن بختان ولم أر عنه خلاف هذا فظاهر هذا أنه إذا تسرى بإذن السيد لم يملك السيد الرجوع لأنه يملك به البضع فلم يملك سيده فسخه قياسا على النكاح .
وقال القاضي يحتمل أنه أراد بالتسري ههنا التزويج وسماه تسريا مجازا ويكون للسيد الرجوع فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤه فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه