مسألتان وفصول .
مسألة : قال : وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل .
أجمع أهل العلم على أنه ليس للعبد أن ينكح بغير إذن سيده فإن نكح لم ينعقد نكاحه في قولهم جميعا وقال ابن المنذر أجمعوا على أن نكاحه باطل والصواب ما قلنا إن شاء الله فإنهم اختلفوا في صحته فعن أحمد في ذلك روايتان أظهرهما أنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر وبه قال شريح وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أنه موقوف على إجازة السيد فإن أجازه جاز وإن رده بطل وهو قول أصحاب الرأي لأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية .
ولنا ما روى جابر قال : [ قال رسول الله A : أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ] رواه الأثرم و ابن ماجة وروى الخلال بإسناده عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : [ قال رسول الله A : أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان ] قال حنبل ذكرت هذا الحديث لأبي عبد الله قال هذا حديث منكر ورواه أيضا عن ابن عمر موقوفا عليه من قوله ولأنه نكاح فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود .
مسألة : قال : فإن دخل بها فعلى سيده خمسا المهر كما قال عثمان Bه إلا أن يجاوز الخمسان قيمته فلا يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه .
في هذه المسألة خمسة فصول : .
الفصل الأول : في وجوب المهر وله حالان أحدهما : أن لا يدخل بها فلا مهر لها لأنه عقد باطل فلا نوجب بمجرده شيئا كالبيع الباطل وهكذا سائر الأنكحة الفاسدة لا نوجب بمجردها شيئا الحال الثاني : أن يصيبها فالصحيح من المذهب أن المهر يجب رواه عنه جماعة وروى عنه حنبل أنه لا مهر لها إذا تزوج العبد إذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون موافقا لرواية الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر رواه الأثرم عن نافع قال كان إذا تزوج مملوك لابن عمر بغير إذنه جلده الحد وقال للمرأة إنك أبحت فرجك وأبطل صداقها ووجهه أنه وطىء امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطاوعة على الزنا قال القاضي هذا إذا كانا عالمين بالتحريم فأما إن جهلت المرأة ذلك فلها المهر لأنه لا ينقص عن وطء الشبهة ويمكن حمل هذه الرواية على أنه لا مهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد تنتفع به بعد العتق وهو قول الشافعي الجديد لأن هذا حق لزمه برضا من له الحق فكان محله الذمة كالدين والصحيح أن المهر واجب لقوله عليه السلام : [ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ] وهذا قل استحل فرجها فيكون مهرها عليه ولأنه استوفى منافع البضع بإسم النكاح فكان المهر واجبا كسائر الأنكحة الفاسدة .
الفصل الثاني : أن المهر يتعلق برقبته يباع فيه إلا بفدية السيد وقد ذكرنا احتملا آخر أنه يتعلق بذمة العبد والأول أظهر إلا أن الوطء أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن المولى ولذلك وجب المهر ههنا وفي سائر الأنكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شيء لأنه يرضى المستحق والله أعلم .
الفصل الثالث : أن الواجب من المهر خمساه وهو قول عثمان بن عفان Bه وعمل به أبو موسى وعن أحمد أنها ان علمت أنه عبد فلها خمسا المهر وإذا لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد وعنه أن الواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لأنه وطء يوجب المهر فأوجب مهر المثل بكماله كالوطء في النكاح بلا ولي وفي سائر الأنكحة الفاسدة ووجه الأولى ما روى الإمام أحمد بإسناده عن حلاس أن غلاما لأبي موسى تزوج بمولاة تيجان التميمي بغير إذن أبي موسى فكتب في ذلك إلى عثمان فكتب عثمان أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولأن المهر أحد موجبي الوطء فجاز أن ينقص العبد فيه عن الحر كالحد فيه أو أحد العوضين في النكاح فينقص العبد كعدد المنكوحات .
الفصل الرابع : أنه يجب خمسا المسمى لأنه صار فيه إلى قصة عثمان Bه وظاهرها أنه أوجب خمسي المسمى ولهذا قال وكان صداقها خمسة أبعرة ولأنه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه كسائر قيم المتلفات ولأوجب القيمة وهي الأثمان دون الأبعرة ويجتمل أنه يجب خمسا مهر المثل لأنه عوض عن جناية فكان المرجع فيه إلى قيمة المحل كسائر أرش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل .
الفصل الخامس : أن الواجب إن كان زائدا على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لأن الواجب عليه ما يقابل قيمة العبد بدليل أنه لو سلم العبد لم يلزمه شيء فإذا أعطى القيمة فقد أعطى ما يقابل الرقبة فلو تلزمه زيادة عليه وإن كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه ارش الجناية فلا يجب عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه إلى السيد وهذا قد ذكرناه في غير هذا الموضع بأبين من هذا .
فصل : إذا إذن السيد لعبده في تزويجه بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وإن إذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحا فاسدا فكذلك لأنه غير مأذون له فيه وإن أذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحا فاسدا احتمل أن يكون كذلك لأن الإذن في النكاح لا يتناول الفاسد واحتمل أن يتناوله إذنه لأن اللفظ بإطلاقه يتناوله وإن أذن له في نكاح فاسد وحصلت الإصابة فيه فعلى سيده جميع المهر لأنه بإذنه والله أعلم