مسألة و فصول : في تزويج الوليين موليتهما من اثنين وأحكام ذلك .
مسألة : قال : فإذا زوج الوليان فالنكاح للأول منهما .
وجملة ذلك أنه إن كان للمرأة وليان فأذنت لكل واحد منهما في تزويجها جاز سواء أذنت في رجل معين أو مطلقا فقالت قد أذنت لكل واحد من أوليائي في تزويجي من أراد فإذا زوجها الوليان لرجلين وعلم السابق منهما فالنكاح له دخل بها الثاني أو لم يدخل وهذا قول الحسن و الزهري و قتادة و ابن سيرين و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أبي عبيد وأصحاب الرأي وبه قال عطاء و مالك ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى لقول عمر إذا أنكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني ولأن الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق .
ولنا ما روى سمرة وعقبة عن النبي A أنه قال : [ أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول ] أخرج حديث سمرة أبو داود و الترمذي وأخرجه النسائي عنه وعن عقبة وروي نحو ذلك عن علي و شريح ولأن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان باطلا كما لو علم أن لها زوجا ولأنه نكاح باطل لو عري عن الدخول فكان باطلا وإن دخل كنكاح المعتدة والمرتد وكما لو علم فأما حديث عمر Bه فلم يصححه أصحاب الحديث وقد خالفه قول علي Bه وجاء على خلاف حديث النبي A وما ذكروه من القبض لا معنى له فإن النكاح يصح بغير قبض على أنه لا أصل له فيقاس عليه ثم يبطل بسائر الأنكحة الفاسدة .
فصل : إذا استوى الأولياء في الدرجة كالإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم فالأولى تقديم أكبرهم وأفضلهم ل [ أن النبي A لما تقدم إليه محيصة وحويصة وعبد الرحمن بن سهل فتكلم عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم فقال النبي A : كبر كبر ] أي قدم الأكبر قدم الأكبر فتكلم حويصة وإن تشاحوا ولم يقدموا الأكبر أقرع بينهم لأن حقهم استوى في القرابة وقد [ كان النبي A إذا أراد السفر أقرع بين نسائه لتساوي حقوقهن كذا ههنا ] فإن بدر واحد منهم فزوج كفؤا بإذن المرأة صح وإن كان هو الأصغر المفضول الذي وقعت القرعة لغيره لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية بإذن موليته فصح كما لو انفرد وإنما القرعة لإزالة المشاحة .
مسألة : قال : فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما وكان لها عليه مهر مثلها ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعدآخر وقت وطئها الثاني .
أما إذا علم الحال قبل وطء الثاني لها فإنها تدفع إلى الأول ولا شيء على الثاني لأن عقده عقد فاسد لا يوجب شيئا وإن وطئها الثاني وهو لا يعلم فهو وطء شبهة يجب لها به المهر وترد إلى الأول ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها بثلاث حيض إن كانت من ذوات الإقراء ولم تحمل نص عليه احمد وهو قول قتادة و الشافعي و ابن المنذر وقال أحمد C لها صداق بالمسيس وصداق من هذا ولا يرد الصداق الذي يؤخذ من الداخل بها على الذي دفعت إليه وذلك لأن الصداق في مقابلة الاستمتاع بها فكان لها دون زوجها كما لو وطئت بشبهة أو مكرهة ولا يحتاج هذا النكاح الثاني إلى فسخ لأنه باطل ولا يجب لها المهر إلا بالوطء دون مجرد الدخول والوطء دون الفرج لأنه نكاح باطل لا حكم له ويجب مهر المثل لأنه يجب بالإصابة لما قلناه والله أعلم .
مسألة : قال : فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان .
وجملة ذلك أنه إذا جهل الأول منهما فلا فرق بين أن لا يعلم كيفية وقوعهما أو يعلم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه أو يعلم بعينه ثم يشك فالحكم في جميعها واحد وهو أن يفسخ الحاكم النكاحين جميعا نص عليه أحمد في رواية الجماعة ثم تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما وهذا قول ابي حنيفة و مالك وعن أحمد رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن تقع له القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه فإن كانت زوجته لم يضره تجديد النكاح شيئا وإن كانت زوجة الآخر بانت منه بطلاقه وصارت زوجة هذا بعقده الثاني لأن القرعة تدخل التمييز بالحقوق عند التساوي كالسفر بإحدى نسائه والبداءة بالمبيت عند إحداهن وتعيين الإنصباء في القسمة .
وقال الثوري و ابو ثور يجبرهما السلطان على أن يطلق كل واحد منهما طلقة فإن أبيا فرق بينهما وهذا قريب من قولنا الأول لأنه تعذر إمضاء العقد الصحيح فوجب إزالة الضرر بالتفريق وقال الشافعي و ابن المنذر : النكاح مفسوخ لأنه تعذر إمضاؤه وهذا لا يصح فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد إشكاله كما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن فإن العقد لا يزول إلا بفسخه كذا ههنا وقد روي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سلمان أنها تخير فأيهما اختارته فهو زوجها وهذا غير صحيح فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما كما لو لم يعقد إلا أحدهما كما لو أشكل على الرجل امرأته في النساء أو على المرأة زوجها إلا أن يريدوا بقولهم أنها إذا اختارت أحدهما فرق بينهما وبين الآخر ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن فإنه يستغنى بالتفريق بينها وبين أحدهما عن التفريق بينها وبينهما جميعا وبفسخ أحد النكاحين عن فسخهما فإن أبت أن تختار لم تجبر وكذلك ينبغي أنه إذا اقرع بينهما فوقعت القرعة لأحدهما لم تجبر على نكاحه لأنه لا يعلم أنه زوجها فيتعين إذا فسخ النكاحين ولها أن تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما في الحال أن كان قبل الدخول وإن كان أحدهما دخل بها لم تنكح حتى تنقضي عدتها من وطئه .
فصل : فإن ادعى كل واحد منهما أنني السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل قولاهما وإن أقرت المرأة لأحدهما لم يقبل إقرارها نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي يقبل كما لو أقرت ابتداء .
ولنا أن الخصم في ذلك هو الزوج الأخير فلم يقبل إقرارها في إبطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق وإن ادعى الزوجان على المرأة أنها تعلم السابق منهما فأنكرت لم تستحلف لذلك وقال أصحاب الشافعي تستحلف بناء منهم على أن إقرارها مقبول فإن فرق بينها وبين أحدهما لاختيارها لصاحبه أو لوقوع القرعة له وأقرت له أن عقدة سابق فينبغي أن يقبل إقرارها لأنهما اتفقا على ذلك من غير خصم منازع فأشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر .
فصل : وإن علم أن العقدين وقعا معا لم يسبق أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى فسخهما لأنهما باطلان من أصلهما ولا مهر لها على واحد منهما ولا ميراث لها منهما ولا يرثها واحد منهما كذلك وإن لم يعلم ذلك فسخ نكاحهما فروي عن أحمد أنه يجب لها نصف المهر ويقترعان عليه لأن عقد أحدهما صحيح وقد انفسخ نكاحه قبل الدخول فوجب عليه نصف مهرها كما لو خالعها وقال أبو بكر لا مهر لها لأنهما مجبران على الطلاق فلم يلزمهما مهر كما لو فسخ الحاكم نكاح رجل لعسرة أو عنته وإن ماتت قبل الفسخ والطلاق فلأحدهما نصف ميراثها فيوقف الأمر حتى يصطلحا عليه ويحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنه المستحق وورث وإن مات الزوجان فلها ربع ميراث أحدهما فإن كانت قد أقرت أن أحدهما سابق بالعقد فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ربع ميراث من أقرت له فإن كان قد أدعى ذلك أيضا دفع إليها ربع ميراثه وإن لم يكن ادعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم مع إيمانهم فإن نكلوا قضي عليهم وإن لم تكن المرأة أقرت بسبق أحدهما احتمل أن يحلف ورثة كل واحد منهما ويبرأ واحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته فلها ربع ميراثه وقد روى حنبل عن أحمد في رجل ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة فهي زوجته وإن مات الزوج فهي التي ترثه والله أعلم .
فصل : وإن ادعى كل واحد منهما أنه السابق فأقرت لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب المهر وجب على المقر له دون صاحبه لإقراره لها به وإقراره ببراءة صاحبه وإن ماتا ورثت المقر له دون صاحبه كذلك وإن ماتت هي قبلهما احتمل أن يرثها المقر له كما ترثه واحتمل أن لا يقبل إقرارها له كما لم تقبله في نفسها وإن لم تقر لأحدهما إلا بعد موته فهو كما لو أقرت في حياته وليس لورثة كل واحد منهما الإنكار لاستحقاقها لأن موروثة قد أقر لها بدعواه صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها وإن لم يقر لواحد منهما أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع عليه القرعة وإن كان أحدهما قد اصابها فإن كان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه وإن كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو يقر لها بالمسمى أ واصطلحا فلا كلام وإن كان مهر المثل أكثر حلف على الزائد وسقط فإن كان المسمى أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها والله أعلم .
فصل : وإن ادعى زوجية امرأة ابتداء فأقرت له بذلك ثبت النكاح وتوارثا وقال أبو الخطاب في ذلك روايتان والصحيح أنه مقبول لأنه رشيدة أقرت بعقد يلزمها حكمه فقبل إقرارها كما لو أقرت أن وليها باع أمتها قبل بلوغها فأنكر ابوها تزويجها لم يقبل إنكاره لأن الحق على غيره وقد اقر به وكذلك لو ادعى أنه تزوج امرأة بولي وشاهدين عينهما فأقرت المرأة بذلك وأنكر الشاهدان لم يلتفت إلى إنكارهما لأن الشهادة إنما يحتاج إليها مع الإنكار ويحتمل أن لا يقبل إقرارها مع إنكار أبيها لأن تزويجها إليه دونها فإن ادعى نكاحها فلم تصدقه حتى ماتت لم يرثها وإن مات قبلها فاعترفت بما قال ورثته لكمال الإقرار منهما بتصديقهما وكذلك لو أقرت المرأة دونه فمات قبل أن يصدقها لم ترثه وإن ماتت فصدقها ورثها لما ذكرنا