مسألة وفصول : في تزويج العبد ومهره .
مسألة : قال : ومن زوج عبده وهو كاره لم يجز إلا أن يكون صغيرا .
الكلام في هذه المسألة في فصلين : .
الفصل الأول : أن السيد لا يملك إجبار عبده البالغ العاقل على النكاح وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك و أبو حنيفة له ذلك لقول الله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم } ولأنه يملك رقبته فملك إجباره على النكاح كالأمة ولأنه يملك إجارته فاشبه الأمة .
ولنا أنه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولأن النكاح خالص حقه ونفعه له فأشبه الحر والأمر بإنكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى وإنما يزوجن عند الطلب ومقتضى الأمر الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه وأما الأمة فإنه يملك منافع يضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد ويفارق النكاح الإجارة لأنها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها .
الفصل الثاني : في العبد الصغير الذي لم يبلغ فللسيد تزويجه في قول أكثر أهل العلم إلا أن بعض الشافعية قال فيه قولان وقال أبو الخطاب يحتمل أن لا يملك تزويجه .
ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه له تمام ولايته عليه أولى وكذلك الحكم في عبده المجنون .
فصل : والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنها أو لم يضمنهما وسواء باشر العقد أو أذن لعبده فعقده وسواء كان مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال نفقته من ضريبته وقال إن كان بقيمته ضريبته انفق عليها ولا يعطى المولى وإن لم يكن عنده ما ينفق يفرق بينهما وهذا قول الشافعي وفائدة الخلاف أن من الزم السيد والمهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من الإكتساب ومن علقه بكسبه فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من الكسب .
ولنا أنه حق تعلق بالعبد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو رهنه بدين فعلى هذا لو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش جنايته فأما النفقة فأنها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو على العبد إذا أعتق .
فصل : ويجوز أن يتزوج السيد لعبده بإذنه ويجوز أن يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لأنه مكلف يصح طلاقه فكان من أهل مباشرة النكاح كالحر ويجوز أن يأذن له مطلقا ومقيدا فإن عين له امرأة أو نساء بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فتزوج غيرها لم يصح لأنه متصرف بالإذن فقيد تصرفه بما أذن له فيه كالوكيل وإن أذن له مطلقا فله أن يتزوج من شاء لكن إن تزوج امرأة من بلد أخرى فللسيد منعه من الخروج إليها وإن كانت في البلد فعلى السيد إرساله ليلا للإستمتاع وإن أحب سيده أن يسكنها في مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه إرساله نهارا لأنه يحتاج إلى استخدامه وليس النهار محلا للإستمتاع ولسيده المسافرة به فإن حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر والحر يملك المسافرة وإن كرهت امرأته كذا ههنا .
فصل : وللسيد أن يعين له المهر وله أن يطلق فإن تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الإطلاق أو دونه لزم المسمى وإن تزوج بأكثر من ذلك لم يلزم السيد الزيادة وهل يتعلق برقبة العبد أو بذمته يتبع بها بعد العتق ؟ على روايتين بناء على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكر في باب الحجر .
فصل : وإن تزوج أمة ثم اشتهراها بإذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وإن اشتراها لنفسه وقلنا أن العبد لا يملك بالتمليك فكذلك وإن قلنا يملك بالتمليك انفسخ نكاحه كما لو اشترى الحر امرأته وله وطؤها بملك اليمين إذا أذن له السيد فإن كان نصفه حرا فاشتراها في ذمته أو بما يختص بملكه انفسخ نكاحه لأنه ملكها وحلت له بملك يمينه وإن ملك بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لأنه لا يملك جميعها وإن اشتراها بعين مال مشترك بينه وبين سيده بغير إذنه وقلنا لا تفرق الصفقة لم يصح البيع والنكاح بحاله وإن قلنا بتفريقها صح في قدر ماله وانفسخ النكاح لملكه بعضها .
فصل : وإن اشترت الحرة زوجها أو ملكته بهبة أو غيرها انفسخ النكاح لأن ملك النكاح واليمين يتنافيان لاستحالة كون الشخص مالكا لمالكه ولن المرأة تقول أنفق علي لأنني امرأتك وأنا أسافر بك لأنك عندي عبدي ويقول هو انفقي علي لأنني عبدك وأنا أسافر بك لأنك امرأتي فيتنافى ذلك فيثبت أقواهما وهو ملك اليمين وينفسخ النكاح لأنه أضعف ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول وله عليها الثمن فإن كان دينين من جنس تقاصا وتساقطا وإن كانا متساويين وإن تفاضلا سقط الأقل منهما بمثله وبقي الفاضل وإن اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه إلى صاحبه وقال الشافعي في أحد قوليه يسقط مهرها لأنه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز أن يثبت لها دين في ذمة عبدها كما لو أتلف لها مالا وهذا بناء منه على أن المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا أنه يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد في إسقاطه .
وذكر القاضي فيه وجها أنه يسقط لأن ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد فإذا سقط من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعا كالدين على الضامن إذا سقط من ذمة المضمون عنه ولا يعرف هذا في المذهب ولأنه ثبت في الذمتين جميعا إحداهما تبعا للأخرى بل المذهب على أنه لا يسقط بد الدخول بحال فأما إن كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل دخوله بها وفي سقوط باقيه وجهان أحدهما : لا يسقط لأن زوال الملك إنما هو بفعل البائع فالفسخ إذا من جهته فلم يسقط جميع المهر كالخلع والثاني : يسقط لأن الفسخ إنما تم بشراء المرأة فاشبه الفسخ بالعيب في أحدهما وفسخها لاعساره وشراء الرجل لامرأته .
فصل : فإن ابتاعته بصداقها صح نص عليه أحمد وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه إن قلنا يسقط نصفه أو بجميعه إن قلنا يسقط جميعه ويحتمل أن لا يصح البيع وهو قول أصحاب الشافعي لأت ثبوته يقتضي نفيه فإن صحة البيع تقتضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لأنه عوض ولا يصح بغير عوض .
ولنا أنه يجوز أن يكون ثمنا لغير هذا العبد فجاز أن يكون ثمنا له كغيره من الديون وما سقط منه يرجع عليه به