مسألتان : إذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وليس لغير الأب .
مسألة : قال : وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة .
أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفؤ ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ولا إذن لها فيعتبر و [ قالت عائشة رضي لله عنها : تزوجني النبي A وأنا ابنة ست وبنى بي وأنا ابنة سبع ] متفق عليه ومعلوم أنها لم تكن في تل كالحال ممن يعتبر إذنها .
وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له فقال ابنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله منهما وأما البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان إحداهما : له إجبارها على النكاح وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة وهذا مذهب مالك و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق .
والثانية : ليس له ذلك واختارها أبو بكر وهو مذهب الأوزاعي و الثوري و أبي عبيد و أ [ ي ثور وأصحاب الرأي و ابن المنذر لما روى أبو هريرة [ أن النبي A قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ] متفق عليه .
وروى أبو داود و ابن ماجة عن ابن عباس [ أن جارية بكرا أتت النبي A فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي A ] ولأنها جائزة التصرف في مالها فلم يجز إجبارها كالثيب والرجل .
ووجه الرواية الأولى ما روي عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله A : الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صماتها ] رواه مسلم و أبو داود فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهي البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على الاستئمار ههنا والاستئذان مستحب في حديثهم ليس بواجب كما روى ابن عمر قال : [ قال رسول الله A : آمروا النساء في بناتهن ] رواه أبو داود وحديث التي خيرها رسول الله A مرسل ويحتمل أنها التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه فتخييرها لذلك ولأن ما لا يشترط في نكاح الصغيرة لا يشترط في نكاح الكبيرة كالنطق وقول الخرقي فوضعها في كفاءة يدل على أنه إذا زوجها من غير كفء فنكاحها باطل وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي لأنه لا يجوز له تزويجها من غير كفء فلم يصح كسائر الأنكحة المحرمة ولأنه عقد لموليته عقدا لا حظ لها فيه بغير إذنها فلم يصح كبيعه عقارها من غير غبطة ولا حاجة أو بيعه بدون ثمن مثله ولأنه نائب عنها شرعا فلم يصح تصرفه لها شرعا بما لا حظ لها فيه كالوكيل .
والثانية : يصح لأنه عيب في المعقود عليه فلم يمنع الصحة كشراء المعيب الذي لا يعلم عيبه ويحتمل أن لا يصح النكاح إذا علم أن الزوج ليس بكفء ويصح إذا لم يعلم ولأنه إذا علم حرم عليه العقد فبطل لتحريمه بخلاف ما لم يعلمه كما لو اشترى لها معيبا يعلم عيبه ويحتمل أن يصح نكاح الكبيرة لأنه يمكن استدراك الضرر بإثبات الخيار لها فتفسخ إن كرهت وإن لم تفسخ كان كإجازتها وإذنها بخلاف نكاح الصغيرة على القول بصحته فإن كانت كبيرة فلها الخيار ولا خيار لأبيها إذا كان عالما لأنه أسقط حقه برضاه وإن كانت صغيرة فعليه الفسخ ولا يسقط برضاه لأنه يفسخ لحظها وحقها لا يسقط برضاه ويحتمل أن لا يكون له الفسخ ولكن يمنع الدخول عليها حتى تبلغ وتختار فإن كان لها ولي غير الأب فلها الفسخ على ما مضى وعلى كلتا الروايتين فلا يحل له تزويجها من غير كفء ولا من معيب لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظرا لها فيما فيه الحظ ومتصرفا لها لعجزها عن التصرف في نفسها فلا يجوز له فعل ما لا حظ له فيه كما في مالها ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لا حظ فيه ففي نفسها أولى .
مسألة : قال : وليس هذا لغير الأب .
يعني ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة جدا كان أو غيره وبهذا قال مالك و أبو عبيد و الثوري و ابن أبي ليلى وبه قال الشافعي إلا في الجد فإنه جعله كالأب لأن ولايته إيلاد فملك إجبارها كالأب وقال الحسن وعمر بن عبد العزيز و عطاء و طاوس و قتادة و ابن شبرمة و الأوزاعي و أبو حنيفة لغير الأب تزويج الصغيرة ولها الخيار إذا بلغت وقال هؤلاء غير أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا .
قال أبو الخطاب وقد نقل عبد الله عن أبيه كقول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } فمهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة واليتيم من لم يبلغ لقول النبي A : [ لا يتم بعد احتلام ] قال عروة سألت عائشة عن قول الله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ويشركها في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بغير أن يسقط في صداقها فيعطيها مثلما يعطيها غيره فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا فيهن ويبلغوا أعلى سنتهن في الصداق متفق عليه ولأنه ولي في النكاح فملك التزويج كالأب .
ولنا قول النبي A : [ تستأمر اليتيمة في نفسها وإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها ] رواه أبو داود و النسائي وروي عن ابن عمر [ أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع ذلك إلى النبي A فقال : أنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ] واليتيمة الصغيرة التي مات أبوها ولأن غير الأب قاصر الشفقة فلا يلي نكاح الصغيرة كالأجنبي وغير الجد لا يلي مالها فلا يستبد بنكاحها كالأجنبي ولأن الجد يلي بولاية غيره فأشبه سائر العصبات وفارق الأب فإنه يدلي بغير واسطة ويسقط الإخوة والجد ويحجب الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين والآية محمولة على البالغة بدليل قول الله تعالى : { تؤتونهن ما كتب لهن } وإنما يدفع إلى الكبيرة أو نحملها على بنت تسع