مسألة و فصول شروط الكفاءة وأحكامها .
مسألة : قال : والكفء : الدين والمنصب .
يعني بالمنصب الحسب وهو النسب واختلفت الرواية عن أحمد في شروط الكفاءة فعنه هما شرطان الدين والمنصب وعنه أنها خمسة هذان والحرية والصناعة واليسار .
وذكر القاضي في لمجرد أن فقد هذه الثلاثة لا يبطل النكاح رواية واحدة وإنما الروايتان في الشرطين الأولين قال ويتوجه أن المبطلأنا عدم الكفاءة في النسب لا غير لأنه نقص لازم وما عداه غير لازم ولا يتعدى نقصه إلى الولد وذكر في الجامع الروايتين في جميع الشروط وذكره أبو الخطاب أيضا وقال مالك : الكفاءة في الدين لا غير قال ابن عبد البر هذا جملة مذهب مالك وأصحابه وعن الشافعي كقول مالك وقول آخر إنها الخمسة التي ذكرناها والسلامة من العيوب الأربعة فتكون ستة وكذلك قول أبي حنيفة و الثوري و الحسن بن حي إلا في الصنعة والسلامة من العيوب الأربعة ولم يعتبر محمد بن الحسن الدين إلا أن يكون ممن يسكر ويسخر معه الصبيان فلا يكون كفؤا لأن الغالب على الجند الفسق وبعد ذلك نقصا والدليل على إعتبار الدين قوله تعالى : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } ولأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولاية ناقص عند الله وعند خلقه قليل الحظ في الدنيت والآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤا لعفيفه ولا مساويا لها لكن كفؤا لمثله فأما الفاسق من الجند فهو ناقص عند أهل الدين والمروءات .
والدليل على اعتبار النسب في الكفاءة قول عمر لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء قال قلت وما الأكفاء ؟ قال في الأحساب رواه أبو بكر عبد العزيز بإسناده ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصا وعارا فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف ولأن في فقد ذلك عارا ونقصا فوجب أن يعتبر في الكفاءة الدين .
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد فروي عنه أن غير قريش من العرب لا يكافئها وغير بني هاشم لا يكافئهم وهذا قول عن بعض أصحاب الشافعي لما روي [ عن النبي A أنه قال : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ] ولأن العرب فضلت على الأمم برسول الله A وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم أخص به من قريش وكذلك قال عثمان وجبير بن مطعم إن أخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك الله به منهم .
وقال أبو حنيفة لا تكافىء العجم العرب ولا العرب قريشا وقريش كلهم أكفاء لأن ابن عباس قال قريش بعضهم أكفاء بعض والرواية الثانية : عن أحمد أن العرب بعضهم لبعض أكفاء والعجم بعضهم لبعض أكفاء لأن النبي A زوج ابنتيه عثمان وزوج أبا العاصي بن الربيع زينب وهما من بني عبد شمس وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسن بن علي وتزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة وتزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنة الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول الله A وزوج أبو بكر أخته أم فروة الأشعث بن قيس وهما كنديان وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس وهي من قريش ولأن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء وإن تفاضلوا وشرف بعضهم على بعض وكذلك العرب .
فصل : فأما الحرية فالصحيح أنها من شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا لحرة لأن النبي A خير بريرة حين عتقت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الظاهرية فبالحرية المقارنة أولى لأن نقص الرق كبير وضرورة بين فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ولا يتفق نفقة الموسرين ولا ينفق على ولده وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه ولا يمنع صحة النكاح ل [ أن النبي A قال لبريرة : لو راجعته قلت يا رسول الله أتأمرني ؟ قال : إنما أنا شفيع قالت فلا حاجة لي فيه ] رواه البخاري ومراجعتها له ابتداء النكاح فإنه قد انفسخ نكاحها بإختيارها ولا يشفع إليها النبي A في أن تنكح عبدا إلا والنكاح صحيح .
فصل : فأما اليسار ففيه روايتان : إحداهما : هو شرط في الكفاءة لقول النبي A : [ الحسب المال ] وقال : [ أن أحساب الناس بينهم في هذه الدنيا هذا المال ] و [ قال لفاطمة بنت قيس حين أخبراته أن معاوية خطبها : معاوية فصعلوك لا مال له ] ولأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ومؤنة أولادها ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا ولأن معدود نقصا في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ قال نبيه بن الحجاج السهمي : .
( سألتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد جئتماني بنكر ) .
( ويكأن من له نشب يحب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر ) .
فكان من شروط الكفاءة كالنسب والرواية الثانية : ليس بشرط لأن الفقر شرف في الدين وقد [ قال النبي A : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ] وليس هو أمرا لازما فأشبه العافية من المرض واليسار المعتبر ما يقدر به على الإنفاق عليها حسب ما يجب لها ويمكنه أداء مهرها .
فصل : فأما الصناعة ففيها روايتان أيضا إحداهما : أنها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة كالحائك والحجام والحارس والكساح والدباغ والقيم والحامي والزبال فليس بكفء لبنات ذوي المروءات أو أصحاب الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية لأن ذلك نقص في عرف الناس فاشبه نقص النسب وقد جاء في الحديث [ العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما ] قيل لـ أحمد C : وكيف تأخذ به وأنت تضعفه ؟ قال العمل عليه يعني أنه ورد موافقا لأهل العرف وروي أن ذلك ليس بنقص ويروى نحو ذلك عن أبي حنيفة لأن ذلك ليس بنقص في الدين ولا هو لازم فأشبه الضعف والمرض قال بعضهم .
( ألا إنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والسقم ) .
( وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم ) .
وأما السلامة من العيوب فليس من شروط الكفاءة فأنه لا خلاف في أنه لا يبطل النكاح بعدمها ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء لأن ضرورة مختص بها ولوليها منعها من نكاح المجذوم والأبرص والمجنون وما عدا هذا فليس بمعتبر في الكفاءة .
فصل : من أسلم أو عتق من العبيد فهو كفؤ لمن له أبوان في الإسلام والحرية وقال أبو حنيفة ليس بكفء وليس بصحيح فإن الصحابة Bهم أكثرهم أسلموا وكانوا أفضل الأمة فلا يجوز أن يقال إنهم غير أكفاء للتابعين .
فصل : فأما ولد الزنا فيحتمل أن لا يكون كفؤا لذات نسب فإن أحمد C ذكر له أنه ينكح وينكح إليه فكأنه لم يحب ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ويتعدى ذلك إلى ولدها وأما كونه ليس بكفء لعربية فلا إشكال فيه لأنه أدنى من المولى .
فصل : والموالي بعضهم لبعض أكفاء وكذلك العجم قال أحمد C في رجل من بني هاشم له مولاة يزوجها الخراساني وقول النبي A : [ موالي القوم من أنفسهم ] هو في الصدقة فأما النكاح فلينكح وذكر القاضي رواية عن أحمد أن مولى القوم يكافئهم لهذا الخبر ولأن النبي A زوج زيدا وأسامة عربيتين ولأن موالي بني هاشم ساووهم في حرمان الصدقة فيساووهم في الكفاءة وليس هذا بصحيح فإنه يوجب أن يكون الموالي أكفاء العرب فإن المولى إذا كفء سيده كان كفؤا لمن يكافئه سيده فيبطل اعتبار المنصب وقد قال أحمد : هذا الحديث في الصدقة لا في النكاح ولهذا لا يساووهم في استحقاق الخمس ولا في الإمامة ولا في الشرف وأما زيد وأسامة فقد استدل بنكاحهما عربيتين على أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح واعتذر أحمد عن تزويجهما بأنهما عربيان فإنهما من كلب وإنما طرأ عليهما رق فعلى هذا يكون حكم كل عربي الأصل .
فصل : فأما أهل البدع فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما وكذلك إذا زوج الواقفي إذا كان يخاصم ويدعو إذا زوج أخته من هؤلاء اللقطة وقد كتب الحديث فهذا شر من جهمي يفرق بينهما وقال لا يزوج بنته من حروري مرق من الدين ولا من الرافضي ولا القدري فإذا كان لا يدعو فلا بأس وقال من لم يربع بعلي في الخلافة فلا تناكحوه ولا تكلموه قال القاضي والمقلد منهم يصح تزويجه ومن كان داعية منهم فلا يصح تزويجه .
فصل : والكفاءة معتبر في الرجل دون المرأة فإن النبي A لا مكافىء له وقد تزوج من أحياء العرب وتزوج صفية بنت حيي وتسري بالإماء وقال : [ من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ] متفق عليه ولأن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه فلم يعتبر ذلك في الأم