مسألة وفصلان .
مسألة : قال : وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلا أو كافرا أو عبدا زوجها الأبعد من عصبتها .
وجملة ذلك أن الولاية لا تثبت لطفل ولا عبد ولا كافر على مسلمة بحال فعند ذلك يكون وجودهم كالعدم فثبتت الولاية لمن هو أبعد منهم كما لو ماتوا وتعتبر لثبوت الولاية لمن سمينا ستة شروط : العقل والحرية والإسلام والذكورية والبلوغ والعدالة على إختلاف نذكره فأما العقل فلا خلاف في إعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره كطفل ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفند .
قال القاضي والشيخ الذي قد ضعف لكبره فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له فأما الإغماء فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قرب فهو كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ومن كان يجن في الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يستديم زوال عقله فهو كالإغماء .
الشرط الثاني : الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فإن العبد لا ولاية له على نفسه فعلى غيره أولى وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد بإذنها بناء على أن المرأة تزوج نفسها قد مضى الكلام في هذه المسألة .
الشرط الثالث : الإسلام ولا يثبت لكافر ولاية على مسلمة وهو قول عامة أهل العلم أيضا قال ابن المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا قال أحمد بلغنا أن عليا أجاز نكاح الأخ ورد نكاح الأب وكان نصرانيا .
الشرط الرابع : الذكورية شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلا تثبت لها ولاية على غيرها أولى .
الشرط الخامس : البلوغ شرط في ظاهر المذهب قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر و ابو ثور وعن احمد رواية أخرى أنه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق وأجيزت وكالته في الطلاق وهذا يحتمله كلام الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا ووجه ذلك أنه يصح بيعه ووصيته في طلاقه فثبت له الولاية كالبالغ والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأن الولاية يصير لها كمال الحال لأنها تتقيد بالتصرف في حق غيره اعتبرت نظرا له والصبي مولى عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة .
الشرط السادس : العدالة في كونها شرطا روايتان إحداهما : هي شرط قال أحمد إذا كان القاضي مثل ابن الحلبي وابن الجعدي استقبل النكاح فظاهر هذا أنه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المولى له وهذا قول الشافعي وذلك لما روي عن ابن عباس Bه أنه قال : لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل قال ابن عباس قال أحمد أصح شيء في هذا قول ابن عباس وقد روي عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله A : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل ] وروي عن أبي بكر البرقاني بإسناده عن جابر قال : [ قال رسول الله A : لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ] ولأنها ولاية نظرية فلا يستبدئها الفاسق كولاية المال والرواية الأخرى ليست بشرط .
نقل مثنى بن جامع أنه سأل احمد إذا تزوج بولي فاسق وشهود عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح شيء وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق وهو قول مالك و ابي حنيفة و أحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فتثبت له الولاية على غيره كالعدل ولأن سبب الولاية القرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر فيلي كالعدل .
فصل : ولا يشترط أن يكون بصيرا لأن شعيبا عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط كونه ناطقا بل يجوز أن يلي الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام فكذلك في النكاح .
فصل : ومن لم يثبت له الولاية لم يصح توكيله لأن وكيله نائب عنه وقائم مقامه وإن وكله الوالي في تزويج موليته لم يجز لأنها ولاية وليس هو من أهلها ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبته بولاية النسب فلأن لا يملك تزويج مناسبة غيره بالتوكيل أولى ويحتمل أن يصح توكيل العبد والفاسق والصبي المميز في العقد لأنهم من أهل اللفظ بالعقد وعبارتهم فيه صحيحة ولذلك صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا الولاية نفسها لأنه يعتبر لها الكمال ولا حاجة إليه في اللفظ به فأما إن وكله الزوج في قبول النكاح له أو وكله الأب في قبول النكاح لابنه الصغير فقال أصحابنا لا يصح لأنه أحد طرفي العقد فلم يجز توكيله فيه كالإيجاب ويحتمل جواز وكيل من ذكرنا فيه لأنهم من أهله ويصح قبولهم النكاح لأنفسهم فجاز أن ينوبوا فيه عن غيرهم كالبيع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي في العدة