مسألة وفصول في التوكيل وأحكامه .
مسألة : قال : ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا .
وجملة ذلك أنه يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي حاضرا أو غائبا مجبرا أو غير مجبر لأنه [ روي عن النبي A أنه وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة ] ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب والجد وجها أحدهما : لا يجوز لأنه يلي بالإذن فلم يجز التوكيل له كالتوكيل .
ولنا أنه يلي شرعا فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم أنه يلي بالإذن فإن ولايته ثابتة قبل إذنها وإنما إذنها شرط لصحة تصرفه فأشبه ولاية الحاكم عليها ولا خلاف في أن للحاكم أن يستنيب في التزويج من غير إذن المرأة ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها فكيف لنائبها من قبلها ؟ .
فصل : ويجوز التوكيل مطلقا ومقيدا فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق التوكيل في تزويج من يرضاه أو من يشاء قال احمد C في رواية عبد الله في الرجل يولى على أخته وابنته يقول إذا وجدت من ترضاه فزوجها فتزويجه جائز ومنع بعض الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روي أن رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال إذا وجدت لها كفؤا فزوجه إياها ولو بشراك نعله فزوجها عمر من عثمان ابن عفان Bه فهي أم عمرو بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه إذن في النكاح فجاز مطلقا كإذن المرأة أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقا والله أعلم .
فصل : ولا يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل سواء كان الموكل إبا أو غيره ولا يفتقر إلى حضور شاهدين وقال بعض الشافعية لا يجوز لغير المجبر التوكيل إلا بإذن المرأة وخرجه القاضي على الروايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يصح إلا بحضرة شاهدين لأنه يراد لحل الوطء فافتقر إلى الشهادة كالنكاح .
ولنا أنه إذن من الولي في التزويج فلم يفتقر إلى إذن المرأة ولا إلى إشهاد كإذن الحاكم وقد بينا أن الولي ليس بوكيل للمرأة وهذا توكيل لا يملك به البضع فلم يفتقر إلى إشهاد بخلاف النكاح ويبطل ما ذكره الحسن ابن صالح بالتسري .
فصل : ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل وإن كل للولي الإجبار ثبت ذلك لوكيله وإن كانت ولايته ولاية مراجعة احتاج الوكيل إلى إذنها ومراجعتها لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبت لمن ينوب عنه وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائما مقامه .
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد C هل يستفاد الولاية في النكاح بالوصية ؟ فروي أنها تستفاد بها وهو اختيار الخرقي لقوله أو وصى ناظرا له في التزويج وهو قول الحسن و حماد بن أبي سلمان و مالك وعنه لا تستفاد بالوصية وبه قال الثوري و الشعبي و النخعي و الحارث العكلي و أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعا فلم يجز أن يوصى بها كالحضانة ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكفائها فلم تثبت له الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز الوصية بها كولاية الحاكم وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة جاز لعدم ذلك .
ولنا أنها ولاية ثابتة للأب فجازت وصيته بها كولاية المال ولأنه يجوز أن يتسبب فيها في حياته فيكون نائبه قائما مقامه بعد موته فجاز أن يستنيب فيها كولاية المال وما ذكوره يبطل بولاية المال فعلى هذا لا يصير وصيا في النكاح بالوصية إليه في المال لأنها إحدى الولايتين فلم يملكها بالوصية كالوصية الأخرى قياسا على وصية المال لا تملك بالوصية في النكاح .
فصل : فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية سواء كان مجبرا كالأب أو غير مجبر كغيره ووصي كل ولي يقوم مقامه فإن كان الولي له الإجبار فكذلك وصيه وإن كان يحتاج إلى إذنها فوصيه كذلك لأنه يقوم مقامه فهو كالوكيل وقال مالك إن عين الأب الزوج مالك الوصي إجبارها صغيرة كانت أو كبيرة وإن لم يعين الزوج وكانت بنته كبيرة صحت الوصية واعتبر إذنها وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها فإذا أذنت جاز أن يزوجها بإذنها .
ولنا أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملك مع الإطلاق كالوكيل ومتى زوج وكيل الأب الصغيرة فبلغت فلا خيار لها لأن الوصي قائم مقام الموصي فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل