مسائل وفصول في بيان أولى الناس بنكاح المرأة الحرة .
مسألة : قال : وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها .
إنما قيد المرأة ههنا لأن الأمة لا ولاية لأبيها عليها وإنما وليها سيدها بغير خلاف علمناه وأما المرأة الحرة فأولى الناس بتزويجها أبوها ولا ولاية لأحد معه وبهذا قال الشافعي وهو المشهور عن أبي حنيفة وقال مالك و العنبري و أبو يوسف و إسحاق و ابن المنذر الابن أولى وهو رواية عن أبي حنيفة لأنه أولى منه بالميراث وأقوى تعصيبا ولهذا يرث بولاء أبيه دون جده .
ولنا أن الولد موهوب لأبيه قال الله تعالى : { ووهبنا له يحيى } وقال زكريا : { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } وقال : { فهب لي من لدنك وليا } وقال إبراهيم : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } و [ قال A : أنت ومالك لأبيك ] وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ولأن الأب أكمل نظرا وأشد شفقة فوجب تقديمه في الولاية كتقديمه على الجد ولأن الأب يلي ولده في صغره وسفهه وجنونه فيليه في سائر ما ثبتت فوجب الولاية عليه فيه بخلاف ولاية الابن ولذلك اختص بولاية المال وجاز له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف غيره ولأن الولاية احتكام واحتكام الأصل على فرعة أولى من العكس وفارق الميراث فإنه لا يعتبر له النظر ولهاذ يرث الصبي والمجنون وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه .
مسألة : قال : ثم أبوه وإن علا .
يعني أن الجد أب الأب وإن علت درجته فهو أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء وهو قول الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن وافقه لما تقدم .
وعن احمد رواية ثالثة أن الأخ على الجد وهو قول مالك لأن الجد يدلي بأبوة الأب والأخ يدلي ببنوة والبنوة مقدمة وعن أحمد أن الجد والأخ سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب فاستويا في القرابة فوجب أن يستويا في الولاية كالأخوين ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما بالآخر فاستويا في الولاية كالأخوين .
ولنا أن الجد له ايلاد وتعصيب فيقدم عليهما كالأب ولأن الابن والأخ يقادان بها ويقطعان بسرقة مالها والجد بخلافه لا يسقط في الميراث إلا بالأب والأخ يسقط به وبالابن وابنه وإذا ضاق المال وفي المسألة جد وأخ سقط الأخ وحده فوجب تقديمه عليهما كالأب ولتقدمه على العم وسائر العصبات إذا ثبت هذا فالجد وإن علا أولى من جميع العصبات غير الأب وأولى الأجداد أقربهم وأحقهم في الميراث .
مسألة : قال : ثم ابنها وابنه وإن سفل .
وجملته أنه متى عدم الأب وباؤه الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وإن نزلت درجته الأقرب فالأقرب منهم وبه قال أصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكما فيلي بذلك لا بالبنوة لأنه ليس بمناسب لها فلا يلي نكاحها كخالها ولأن طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها .
ولنا ما [ روت أم سلمة Bها أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله A يخطبها فقالت يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدا قال : ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت : قم يا عمرو فزوج رسول الله A فزوجه ] رواه النسائي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله فحديث عمرو بن أبي سلمة حين تزوج النبي A أمه أم سلمة أليس كان صغيرا قال ومن يقول كان صغيرا ليس فيه بيان ولأنه عدل من عصبتها فثبت له ولاية تزويجها كأخيها وقولهم ليس بمناسب لها يبطل بالحاكم والمولى وقولهم ان طبعه بنفر من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل ثم يبطل بما إذا كان ابن عم أو مولى أو حاكما إذا ثبت هذا فإنه يقدم على الأخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه عند من يقول بولايته لأنه أقوى منه تعصيبا وقد استويا في عدم الإيلاد .
مسألة : قال : ثم أخوها لأبيها وأمها .
لا خلاف بين أهل العلم في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم فإنه ابن الأب وأقواهم تعصيبا وأحقهم بالميراث .
مسألة : قال : والأخ للأب مثله .
اختلفت الرواية عن أحمد في الأخ للأبوين والأخ للأب إذا اجتمعا فالمشهور عنه أنهما سواء في الولاية وبه قال ابو ثور و الشافعي في القديم لأنهما استويا في الإدلاء بالجهة التي تستفاد منها العصوبة وهي جهة الأب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب وإنما يرجح الأخ في الميراث بجهة الأم ولا مدخل لها في الولاية فلم يرجح بها كالعمين أحدهما خال وابني عم أحدهما أخ من أم والرواية الثانية الأخ من الأبوين أولى واختارها أبو بكر وهذا قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي في الجديد وهو الصحيح إن شاء الله ولأنه حق يستفاد بالتعصيب فقدم فيه الأخ من الأبوين كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء فإنه لا مدخل للنساء فيه وقد قدم الأخ من الأبوين فيه وبهذا يبطل ما ذكرناه للرواية الأولى وهكذا الخلاف في بني الإخوة والأعمام وبينهم فأما إذا كان ابنا عم لأب أحدهما أخ لأم فهما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به وقال القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن عم من أبوين وابن عم من أب لأنه يرجح بجهة أمه وليس كذلك لأن جهة أمه يرث بها منفردة وما ورث به منفردا لم يرجح به ولذلك لم يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره فعلى هذا إذا اجتمع ابن عم من أبوين وابن عم من أب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الأبوين عند من يرى تقديم ولد الأبوين .
مسألة : قال : ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة ثم أولادهم وإن سفلوا ثم عمومة الأب .
وجملته أن الولاية بعد من ذكرنا تترتب على ترتيب الإرث بالتعصيب فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية فأولاهم بعد الآباء بنو المرأة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو أبيها وهم الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جدها وهم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الأب وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب اقربهم إليه لأن مبني الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم أشفقهم ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم .
فصل : ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد أب الأم ونحوهم نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثانية : أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه من أهل ميراثها فوليها كعصباتها .
ولنا ما روي عن علي أنه قال إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى إذا أدركن رواه أبو عبيد في الغريب ولأنه ليس من عصباتها فأشبه الأجنبي .
مسألة : قال : ثم المولي المنعم ثم أقرب عصبته به .
لا خلاف نعلمه في أن المرأة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها أن مولاها يزوجها ولا في أن عصبة المناسب أولى منه وذلك لأنه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فلذلك يزوجها وقدم عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة والطفل والكافر فعصباته الأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى ثم عصباته من بعده كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى في التعصيب وإنما قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أبي المعتق فرجع به إلى الأصل .
مسألة : قال : ثم السلطان .
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه يقول مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي والأصل فيه قول النبي A : [ فالسلطان ولي من لا ولي له ] وروى أبو داود بإسناده عن أم حبيبة أن النجاشي زوجها رسول الله A وكانت عنده ولأن للسلطان ولاية عامة بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالأب .
فصل : والسلطان ههنا هو الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في والي البلد فقال في موضع يزوج والي البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض يزوج إذا احتاط لها في المهر والكفء أرجو أن لا يكون به بأس لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على الشيء القاضي يقضي في الفروج والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب والجناية وقال ما للوالي ولاية أنما هو القاضي وتأول القاضي الرواية الأولى على أن الوالي أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له ذلك إذا لم يكن في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها .
فصل : وإذا استولى أهل البغي في بلد جرى حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام وقاضيه لأنه أجرى مجراه في قبض الصدقات والجزية والخراج والأحكام فكذلك في هذا .
فصل : واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون وليا لها ولا يزوج حتى يأتي السلطان لأنه ليس من عصباتها ولا يعقل عنها ولا يرثها فأشبه الأجنبي وقال في رواية أخرى في امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها هو وهو قول إسحاق وروي عن ابن مسعود أنه لا يفعل ذلك حتى يأتي السلطان وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يزوجها نفسه ولما روى أبو داود بإسناده [ عن تميم الداري أنه قال : يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين ؟ قال : هو أولى الناس بمحياه ومماته ] إلا أن هذا الحديث ضعفه احمد وقال رواية عبد العزيز يعني ابن عمر بن عبد العزيز وليس هو من أهل الحغظ والإتقان .
فصل : فإن لم يوجد للمراة ولي ولا ذو سلطان فعن احمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها فإنه قال في دهقان قرية يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض قال ابن عقيل أخذ قوم من أصحابنا من هذه الرواية أن النكاح لا يقف على ولي قال وقال القاضي منصوص احمد يمنع من ذلك والصحيح أن هذا القول مختص بحال عدم الولي والسلطان لأنه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض ووجه ذلك أن اشتراط الولي ههنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها وروي أنه لا يجوز النكاح إلا بولي لعموم الأخبار فيه